واستخبرها الحال، أي عن الحال، فحذف الجار، كقولك: اخترت الرجال زيدا، أي من الرجال، أي سلها عما جرى بعدك من الاستبداد بعقد الامر دون مشاورتنا، ولا يدل هذا على وجود النص، لأنه يجوز أن تكون الشكوى والتألم من اطراحهم وترك إدخالهم في المشاورة، فإن ذلك مما تكرهه النفوس وتتألم منه، وهجا الشاعر قوما، فقال:
ويقضى الامر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود (1).
قوله: (هذا ولم يطل العهد، ولم يخلق الذكر) أي لم ينس.
فإن قلت: فما هذا الامر الذي لم ينس ولم يخلق، إن لم يكن هناك نص؟.
قلت: قوله صلى الله عليه وآله: (إني مخلف فيكم الثقلين)، وقوله: (اللهم أدر الحق معه حيث دار)، وأمثال ذلك من النصوص الدالة على تعظيمه وتبجيله ومنزلته في الاسلام، فهو عليه السلام كان يريد أن يؤخر عقد البيعة إلى أن يحضر ويستشار، ويقع الوفاق بينه وبينهم، على أن يكون العقد لواحد من المسلمين بموجبه، إما له أو لأبي بكر، أو لغيرهما، ولم يكن ليليق أن يبرم الامر وهو غير حاضر له، مع جلالته في الاسلام، وعظيم أثره، وما ورد في حقه من وجوب موالاته والرجوع إلى قوله وفعله، فهذا هو الذي كان ينقم عليه السلام، ومنه كان يتألم ويطيل الشكوى، وكان ذلك في موضعه.
وما أنكر إلا منكرا. فأما النص فإنه لم يذكره عليه السلام، ولا احتج به، ولما طال الزمان صفح عن ذلك الاستبداد الذي وقع منهم، وحضر عندهم فبايعهم، وزال ما كان في نفسه.