شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٠ - الصفحة ٢٧٧
ما أسخطها. ألم تعلم (1) أنه لم يدع أحدا من أصحابه وخلطائه، وأقاربه وسجرائه (2)، إلا أبانه بفضيلة، وخصه بمزية، وأفرده بحالة، لو أصفقت الأمة عليه لأجلها لكان عنده إيالتها وكفالتها.
أتظن أنه عليه السلام ترك الأمة سدى (3) بددا، عدا (4) مباهل عباهل (5) طلاحي (6) مفتونة بالباطل، ملوية (7) عن الحق، لا ذائد ولا رائد، ولا ضابط ولا خابط ولا رابط، ولا سافي ولا واقي، ولا حادي ولا هادي، كلا والله ما اشتاق إلى ربه، ولا سأله المصير إلى رضوانه، إلا بعد أن أقام الصوى، وأوضح الهدى، وأمن المهالك (8) وحمى المطارح والمبارك. وإلا بعد أن شدخ يافوخ الشرك بإذن الله، وشرم وجه النفاق لوجه الله، وجدع أنف الفتنة في دين الله، وتفل في عين الشيطان بعون الله، وصدع بملء فيه ويده بأمر الله.
وبعد، فهؤلاء المهاجرون والأنصار عندك ومعك في بقعة جامعة، ودار واحدة، إن استقادوا لك (9) وأشاروا بك، فأنا واضع يدي في يدك، وصائر إلى رأيهم فيك، وإن تكن الأخرى، فادخل في صالح ما دخل فيه المسلمون، وكن العون على مصالحهم، والفاتح لمغالقهم، والمرشد لضالهم، والرادع لغاويهم، فقد أمر الله بالتعاون على البر وأهاب إلى التناصر على الحق. ودعنا نقض هذه الحياة الدنيا بصدور بريئة من الغل، ونلقى الله بقلوب سليمة من الضغن.

(1) صبح الأعشى: (أما تعلم) (2) السجراء: جمع سجير، وهو الصديق.
(3) سدى: مهملون.
(4) بددا: متفرقون، وعدا: متباعدون.
(5) عباهل مباهل: مهملون أيضا.
(6) الطلاحي: الإبل التي تشكو بطونا من أكل الطلح، أراد به هاهنا القوم الذين لا راعي لهم يصدهم عما يضرهم.
(7) صبحي الأعشى: (مغبونة).
(8) صبحي الأعشى: (وأمن المسالك).
(9) صبح الأعشى: (إن استقالوني لك، وأشاروا عندي بك).
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست