شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٠ - الصفحة ٢٧٦
لمن لا يضلع (1) لك إذا خطأ، ولا يتزحزح عنك إذا عطا، فالامر غض، وفى النفوس مض، وأنت أديم هذه الأمة فلا تحلم لجاجا، وسيفها العضب فلا تنب اعوجاجا، وماؤها العذب فلا تحل أجاجا، والله لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا لمن هو؟ فقال: هو لمن يرغب عنه، لا لمن يجاحش (2) عليه، ولمن يتضاءل له لا لمن يشمخ (3) إليه، وهو لمن يقال له: هو لك، لا لمن يقول: هو لي.
ولقد شاورني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصهر، فذكر فتيانا من قريش، فقلت له: أين أنت من على! فقال: إني لأكره لفاطمة ميعة شبابه (4)، وحدة سنه. فقلت:
متى كنفته يدك، ورعته عينك، حفت بهما البركة، وأسبغت عليهما النعمة، مع كلام كثير خطبت به رغبته فيك، وما كنت عرفت منك في ذلك حوجاء ولا لوجاء (5)، ولكني قلت ما قلت، وأنا أرى مكان غيرك، وأجد رائحة سواك، وكنت لك إذ ذاك خيرا منك الان لي ولئن كان عرض بك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الامر، فقد كنى عن غيرك (6)، وإن قال فيك، فما سكت عن سواك، وإن اختلج في نفسك شئ، فهلم فالحكم مرضى، والصواب مسموع، والحق مطاع.
ولقد نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما عند الله (7) وهو عن هذه العصابة راض وعليها حدب، يسره ما سرها، ويكيده ما كادها، ويرضيه ما أرضاها، ويسخطه

(1) الضلع: الاعوجاج، وفى صبح الأعشى ونهاية الإرب: (يظلع).
(2) يجاحش، أي يدفع الناس عنه ليختص به لنفسه.
(3) صبح الأعشى: (يتنفج إليه). وفى نهاية الإرب: (يتنفج) (4) ميعة الشباب: أوله.
(5) في اللسان: (الحوجاء: الحاجة، ويقال: ما في صدري به حوجاء ولا لوجاء، ولا شك ولا مرية بمعنى واحد).
(6) صبحي الأعشى ونهاية الإرب: (فلم يكن معرضا عن غيرك).
(7) صبحي الأعشى: (إلى الله عز وجل).
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست