ولا مجحود الفضل، ونحن في أثناء ذلك نعاني أحوالا تزيل الرواسي، ونقاسي أهوالا تشيب النواصي، خائضين غمارها، راكبين تيارها، نتجرع صلبها، ونشرج (1) عيابها، ونحكم أساسها، ونبرم أمراسها، والعيون تحدج (2) بالحسد، والأنوف تعطس بالكبر، والصدور تستعر بالغيظ، والأعناق تتطاول بالفخر، والأسنة (3) تشحذ بالمكر، والأرض تميد بالخوف، لا ننتظر عند المساء صباحا، ولا عند الصباح مساء، ولا ندفع في نحر أمر إلا بعد أن نحسو الموت دونه، ولا نبلغ إلى شئ إلا بعد تجرع العذاب قبله، ولا نقوم منآدا إلا بعد اليأس من الحياة عنده، فأدين في كل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأب والام، والخال والعم، والمال والنشب، والسبد (4) واللبد، والهلة والبلة (5)، بطيب أنفس وقرة أعين، ورحب أعطان، وثبات عزائم، وصحة عقول، وطلاقة أوجه، وذلاقة ألسن.
هذا إلى خبيئات أسرار، ومكنونات أخبار كنت عنها غافلا، ولولا سنك لم تك عن شئ منها ناكلا. كيف وفؤادك مشهوم (6) وعودك معجوم، وغيبك مخبور، والخير منك كثير! فالآن قد بلغ الله بك، وأرهص (7) الخير لك، (وجعل مرادك بين يديك (8))، فاسمع ما أقول لك (9)، واقبل ما يعود قبوله عليك (10)، ودع التحبس والتعبس (11)