آدم، وعادة منه منذ أهانه الله في سالف الدهر، لا ينجي (1) منه إلا بعض الناجذ على الحق، وغض الطرف عن الباطل، ووطئ هامة عدو الله والدين بالأشد فالأشد، والأجد فالأجد، وإسلام النفس لله فيما حاز رضاه، وجنب سخطه.
ولا بد من قول ينفع إذ قد أضر السكوت وخيف غبه، ولقد أرشدك من أفاء ضالتك، وصافاك من أحيا مودته لك بعتابك، وأراد الخير بك من آثر البقيا معك.
ما هذا الذي تسول لك نفسك، ويدوي (2) به قلبك، ويلتوي عليه رأيك، ويتخاوص (3) دونه طرفك، ويستشري به ضغنك، ويتراد معه نفسك، وتكثر لأجله صعداؤك، ولا يفيض به لسانك! أعجمة بعد إفصاح، ألبسا بعد إيضاح! أدينا غير دين الله!
أخلقا غير خلق القرآن! أهديا غير هدى محمد! أمثلي يمشى له الضراء ويدب له (4) الخمر! أم مثلك يغص عليه الفضاء، ويكسف في عينه القمر! ما هذه القعقعة بالشنان (5)، والوعوعة باللسان! إنك لجد عارف (6) باستجابتنا لله ولرسوله، وخروجنا من أوطاننا وأولادنا وأحبتنا، وهجرة إلى الله ونصرة لدينه، في زمان أنت منه في كن الصبا وخدر الغرارة، غافل، تشبب وتربب، لا تعي ما يشاد ويراد، ولا تحصل ما يساق ويقاد، سوى ما أنت جار عليه من أخلاق الصبيان أمثالك، وسجايا الفتيان أشكالك، حتى بلغت إلى غايتك هذه التي إليها أجريت (7)، وعندها حط رحلك، غير مجهول القدر