نسبا، فما آمن به إلا قليل منهم مستضعفون، فحذرهم وأنذرهم، فسألوه آية، فقال: أية آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا - في يوم معلوم لهم من السنة - فتدعو إلهك وندعو إلهنا، فإن استجيب لك اتبعناك، وإن استجيب لنا اتبعتنا.
قال: نعم، فخرج معهم، ودعوا أوثانهم، وسألوها الاستجابة فلم تجب، فقال سيدهم جندع بن عمرو - وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يسمونها الكاثبة: أخرج لنا في هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء - والمخترجة: التي شاكلت البخت (1) -.
فإن فعلت صدقناك وأجبناك، فأخذ عليهم المواثيق، لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن؟ قالوا: نعم، فصلى ودعا ربه، فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء (2) جوفاء وبراء كما وصفوا، لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله، وعظماؤهم ينظرون. ثم نتجت ولدا مثلها في العظم، فآمن به جندع ورهط من قومه، ومنع أعقابهم ناس من رؤوسهم أن يؤمنوا، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء، وكانت ترد غبا، فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر، فما ترفعه حتى تشرب كل ماء فيها ثم تتفجح، فيحتلبون ما شاءوا حتى تمتلئ أوانيهم، فيشربون ويدخرون فإذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادي، فتهرب منها أنعامهم، فتهبط إلى بطنه، وإذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشق ذلك عليهم، وزينت عقرها لهم امرأتان: عنيزة أم غنم وصدفة بنت المختار، لما أضرت به من مواشيهما، وكانتا كثيرتي المواشي، فعقروها، عقرها قدار الأحمر، واقتسموا لحمها وطبخوه.