مثلهم، بل أقل منهم عدة وأضعف عدة، ولذلك لما حال معاوية بين أهل العراق وبين الماء وقال: لأمنعنهم وروده فأقتلهم بشفار الظمأ، قال له عمرو بن العاص: خل بين القوم وبين الماء، فليسوا ممن يرى الماء ويصبر عنه، فقال: لا والله لا أخلى لهم عنه. فسفه رأيه وقال: أتظن أن ابن أبي طالب وأهل العراق يموتون بإزائك عطشا، والماء بمقعد الأزر، وسيوفهم في أيديهم! فلج معاوية، وقال: لا أسقيهم قطرة كما قتلوا عثمان عطشا. فلما مس أهل العراق العطش، أشار علي عليه السلام إلى الأشعث أن احمل، وإلى الأشتر أن احمل، فحملا بمن معهما فضربا أهل الشام ضربا أشاب الوليد، وفر معاوية ومن رأى رأيه وتابعه على قوله عن الماء كما تفر الغنم خالطتها السباع، وكان قصارى أمره، ومنتهى همته أن يحفظ رأسه، وينجو بنفسه. وملك أهل العراق عليهم الماء ودفعوهم عنه، فصاروا في البر القفر، وصار علي عليه السلام وأصحابه على شريعة الفرات، مالكين لها، فما الذي كان يؤمن عليا عليه السلام لو أعطش القوم أن يذوق هو وأصحابه منهم مثل ما أذاقهم! وهل بعد الموت بالعطش أمر يخافه الانسان! وهل يبقى له ملجأ إلا السيف يحمل به فيضرب خصمه إلى أن يقتل أحدهما!.
* * * ومنها قولهم: أخطأ حيث محا اسمه بالخلافة من صحيفة الحكومة، فإن ذلك مما وهنه عند أهل العراق، وقوى الشبهة في نفوس أهل الشام.
والجواب، أنه عليه السلام احتذى في ذلك - لما دعى إليه واقترحه الخصم عليه - فعل رسول الله صلى الله عليه وآله في صحيفة الحديبية، حيث محا اسمه من النبوة لما قال له سهيل بن عمرو:
علمنا أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاربناك، ولا منعناك عن البيت، وقد قال له صلى الله عليه وآله وهو يومئذ كاتب تلك الصحيفة: ستدعى إلى مثلها فتجيب. وهذا من أعلام نبوته صلوات الله عليه، ومن دلائل صدقه، ومثله جرى له حذو القذة بالقذة.