يقول لابن سنان القول في عدوله عن الدخول تحت شرط عبد الرحمن، كالقول في عدوله عن إقرار معاوية على الشام، فإن من ذهب إلى تغليطه في أحد الموضعين، له أن يذهب إلى تغليطه في الموضع الاخر.
قال ابن سنان: وجواب آخر، وهو أنا قد علمنا أن أحد الاحداث التي نقمت على عثمان، وأفضت بالمسلمين إلى حصاره وقتله، تولية معاوية الشام، مع ما ظهر من جوره وعدوانه، ومخالفة أحكام الدين في سلطانه، وقد خوطب عثمان في ذلك، فاعتذر بأن عمر ولاه قبله، فلم يقبل المسلمون عذره، ولا قنعوا منه إلا بعزله، حتى أفضى الامر إلى ما أفضى، وكان علي عليه السلام من أكثر المسلمين لذلك كراهية، وأعرفهم بما فيه من الفساد في الدين.
فلو أنه عليه السلام افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام، وإقراره فيه، أليس كان يبتدئ في أول أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره، فأفضى إلى خلعه وقتله! ولو كان ذلك في حكم الشريعة سائغا، والوزر فيه مأمونا، لكان غلطا قبيحا في السياسة، وسببا قويا للعصيان والمخالفة، ولم يكن يمكنه عليه السلام أن يقول للمسلمين: إن حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الامر، وطاعة الجمهور لي، وإن قصدي بإقراره على الولاية، مخادعته، وتعجيل طاعته، ومبايعة الأجناد الذين قبله، ثم استأنف بعد ذلك فيه ما يستحقه من العزل، وأعمل فيه بموجب العدل، لان إظهاره عليه السلام لهذا العزم كان يتصل خبره بمعاوية فيفسد التدبير الذي شرع فيه، وينتقض الرأي الذي عول عليه.
* * * ومنها قولهم: إنه ترك طلحة والزبير حتى خرجا إلى مكة، وأذن لهما في العمرة، وذهب عنه الرأي في ارتباطهما قبله، ومنعهما من البعد عنه.