ومنها قولهم: إنه كان غير مصيب في ترك الاحتراس، فقد كان يعلم كثرة أعدائه، ولم يكن يحترس منهم، وكان يخرج ليلا في قميص ورداء وحده، حتى كمن له ابن ملجم في المسجد فقتله، ولو كان احترس وحفظ نفسه ولم يخرج إلا في جماعة. ولو خرج ليلا كانت معه أضواء وشرطة، لم يوصل إليه.
والجواب، أن هذا إن كان قادحا في السياسة والتدبير، فليكن قادحا في تدبير عمر وسياسته، وهو عند الناس في الطبقة العليا في السياسة وصحة التدبير، وليكن قادحا في تدبير معاوية، فقد ضربه الخارجي بالسيف ليلة ضرب أمير المؤمنين عليه السلام فجرحه، ولم يأت على نفسه، ومعاوية عند هؤلاء سديد التدبير، وليكن قادحا في صحة تدبير رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد كان يخرج وحده في المدينة ليلا ونهارا مع كثرة أعدائه، وقد كان يأكل ما دعى إليه ولا يحترس، حتى أكل من يهودية شاة مشوية قد سمته فيها فمرض، وخيف عليه التلف، ولما برأ لم تزل تنتقض عليه حتى مات منها، وقال عند موته: إني ميت من تلك الاكلة، ولم تكن العرب في ذلك الزمان تحترس، ولا تعرف الغيلة والفتك، وكان ذلك عندهم قبيحا يعير به فاعله، لان الشجاعة غير ذلك، والغيلة فعل العجزة من الرجال، ولان عليا عليه السلام كانت هيبته قد تمكنت في صدور الناس، فلم يكن يظن أن أحدا يقدم عليه غيلة أو مبارزة في حرب، فقد كان بلغ من الذكر بالشجاعة مبلغا عظيما لم يبلغه أحد من الناس، لا من تقدم ولا من تأخر، حتى كانت أبطال العرب تفزع باسمه، ألا ترى إلى عمرو بن معدى كرب وهو شجاع العرب، الذي تضرب به الأمثال، كتب إليه عمر بن الخطاب في أمر أنكره عليه، وغدر تخوفه منه: أما والله لئن أقمت على ما أنت عليه، لأبعثن إليك رجلا تستصغر معه نفسك، يضع سيفه على هامتك فيخرجه من بين فخذيك! فقال عمرو لما وقف على الكتاب: هددني بعلي والله! ولهذا قال شبيب بن بجرة لابن ملجم، لما رآه يشد الحرير على بطنه وصدره: ويلك! ما تريد