ما قد كان غلب على الظن، ولا ريب أنه عليه السلام لم يغلب على ظنه أن أحدا يستأثر عليه بالخلافة لأحوال قد كان مهدها له رسول الله صلى الله عليه وآله، وما توهم إلا أنه ينتظر ويرتقب خروجه من البيت وحضوره، ولعله قد كان يخطر له أنه إما أن يكون هو الخليفة أو يشاور في الخلافة إلى من يفوض. وما كان يتوهم أنه يجرى الامر على ما جرى من الفلتة عند ثوران تلك الفتنة، ولا يشاور هو ولا العباس ولا أحد من بني هاشم ، وإنما كان يكون تدبيره فاسدا لو كان يحاذر خروج الامر عنه، ويتوهم ذلك، ويغلب على ظنه إن لم يبادر تحصيله بالبيعة المعجلة في الدار من وراء الأبواب والأغلاق، وإلا فاته، ثم يهمل ذلك ولا يفعله. وقد صرح هو بما عنده، فقال: وهل يطمع فيها طامع غيري! ثم قال: إني أكره البيعة هاهنا وأحب أن أصحر (1) بها، فبين أنه يستهجن أن يبايع سرا خلف الحجب والجدران، ويحب أن يبايع جهرة بمحضر من الناس كما قال، حيث طلبوا منه بعد قتل عثمان أن يبايعهم في داره، فقال: لا، بل في المسجد، ولا يعلم ولا خطر له ما في ضمير الأيام، وما يحدث الوقت من وقوع مالا يتوهم العقلاء وأرباب الأفكار وقوعه.
* * * ومنها قولهم: إنه قصر في طلب الخلافة عند بيعة أبى بكر، وقد كان اجتمع له من بني هاشم وبنى أمية وغيرهم من أفناء الناس من يتمكن بهم من المنازعة وطلب الخلافة، فقصر عن ذلك، لا جبنا، لأنه كان أشجع البشر، ولكن قصور تدبير وضعف رأى، ولهذا أكفرته الكاملية (2) وأكفرت الصحابة، فقالوا: كفرت الصحابة لتركهم بيعته، وكفر هو بترك المنازعة لهم!.