ومنها قولهم: إنه ما أصاب حيث أقام بالمدينة وعثمان محصور، وقد كان يجب في الرأي أن يخرج عنها بحيث لا تنوط بنو أمية به دم عثمان، فإنه لو كان بعيدا عن المدينة لكان من قذفهم إياه بذلك أبعد، وعنه أنزه.
والجواب: إنه لم يكن يخطر له مع براءته من دم عثمان، أن أهل الفساد من بنى أمية يرمونه بأمره، والغيب لا يعلمه إلا الله، وكان يرى أن مقامه بالمدينة أدعى إلى انتصار عثمان على المحاصرين له، فقد حضر هو بنفسه مرارا، وطرد الناس عنه، وأنفذ إليه ولديه وابن أخيه عبد الله، ولولا حضور علي عليه السلام بالمدينة لقتل عثمان قبل أن يقتل بمدة، وما تراخى أمره وتأخر قتله، إلا لمراقبة الناس له حيث شاهدوه ينتصر له، ويحامي عنه.
* * * ومنها قولهم: كان يجب في مقتضى الرأي حيث قتل عثمان، أن يغلق بابه، ويمنع الناس من الدخول إليه، فإن العرب كانت تضطرب اضطرابة ثم تؤول إليه، لأنه تعين للامر بحكم الحال الحاضرة. فلم يفعل، وفتح بابه، وترشح للامر، وبسط له يده، فلذلك انتقضت عليه العرب من أقطارها.
والجواب: إنه عليه السلام كان يرى أن القيام بالامر يومئذ فرض عليه لا يجوز له الاخلال به، لعدم من يصلح في ظنه للخلافة، فما كان يجوز له أن يغلق بابه ويمتنع، وما الذي كان يؤمنه أن يبايع الناس طلحة أو الزبير أو غيرهما ممن لا يراه أهلا للامر! فقد كان عبد الله بن الزبير يومئذ يزعم أن عثمان عهد إليه بالخلافة وهو محصور. وكان مروان يطمع أن ينحاز إلى طرف من الأطراف فيخطب لنفسه بالخلافة، وله من بنى أمية شيعة وأصحاب، بشبهة أنه ابن عم عثمان، وأنه كان يدبر أمر الخلافة على عهده. وكان معاوية يرجو أن ينال الخلافة، لأنه من بنى أمية وابن عم عثمان، وأمير الشام عشرين سنة، وقد كان قوم من بنى أمية يتعصبون لأولاد عثمان المقتول، ويرومون إعادة الخلافة فيهم