وما كان يسوغ لعلى عليه السلام في الدين إذا طلبه المسلمون للخلافة أن يمتنع عنها، ويعلم أنها ستصير إذا امتنع إلى هؤلاء، فلذلك فتح بابه، وامتنع امتناع من يحاول أن يعلم ما في قلوب الناس، هل لرغبتهم إليه حقيقة أم لا! فلما رأى منهم التصميم وافق لوجوب الموافقة عليه، قد قال في خطبته: (لولا حضور الحاضر ووجوب الحجة بوجود الناصر... لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها (1))، وهذا تصريح بما قلناه.
* * * ومنها قولهم: هلا إذ ملك شريعة الفرات على معاوية، بعد أن كان معاوية ملكها عليه، ومنعه وأهل العراق منها، منع معاوية وأهل الشام منها، فكان يأخذهم قبضا بالأيدي! فإنه لم يصبر على منعهم عن الماء، بل فسح لهم في الورود، وهذا يخالف ما يقتضيه تدبير الحرب.
الجواب، أنه عليه السلام لم يكن يستحل ما استحله معاوية من تعذيب البشر بالعطش، فإن الله تعالى ما أمر في أحد من العصاة الذين أباح دماءهم بذلك، ولا فسح فيه في نحو القصاص أو حد الزاني المحصن أو قتل قاطع الطريق، أو قتال البغاة والخوارج، وما كان أمير المؤمنين ممن يترك حكم الله وشريعته، ويعتمد ما هو محرم فيها لأجل الغلبة والقهر والظفر بالعدو، ولذلك لم يكن يستحل البيات (2) ولا الغدر ولا النكث. وأيضا فمن الجائز أن يكون عليه السلام غلب على ظنه أن أهل الشام إن منعوا من الماء كان ذلك أدعى لهم إلى الحملات الشديدة المنكرة على عسكرة، وأن يضعوا فيهم السيوف، فيأتوا عليهم ويكسروهم بشدة حنقهم وقوة دواعيهم إلى ورود الماء، فإن ذلك من أشد الدواعي إلى أن يستميت القوم ويستقتلوا. ومن الذي يقف بين يدي جيش عظيم عرمرم حنق قد اشتد بهم العطش، وهم يرون الماء كبطون الحيات، لا يحول بينهم وبينه إلا قوم