أن يمروا على وتيرتهم وشأنهم، فلم يفعلوا، وبين لهم أنها مكيدة فلم يتبينوا، وخاف أن يقتل أو يسلم إلى عدوه، فإنه لا يدل تحكيمه على شكه، بل يدل على أنه قد دفع بذلك ضررا عظيما عن نفسه، ورجا أن يحكم الحكمان بالكتاب، فتزول الشبهة عمن طلب التحكيم من أصحابه.
وأما تحكيمه عمرا مع ظهور فسقه، فإنه لم يرض به، وإنما رضى به مخالفة، وكرهه هو فلم يقبل منه. وقد قيل: إنه أجاب ابن عباس رحمه الله عن هذا، فقال للخوارج:
أليس قد قال الله تعالى: ﴿فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها﴾ (1)! أرأيتم لو كانت المرأة يهودية فبعثت حكما من أهلها، أكنا نسخط ذلك!
وأما أبو موسى فقد كرهه أمير المؤمنين عليه السلام، وأراد أن يجعل بدله عبد الله ابن عباس، فقال أصحابه: لا يكون الحكمان من مضر، فقال: فالأشتر. فقالوا: وهل أضرم النار إلا الأشتر! وهل جر ما ترى إلا حكومة الأشتر! ولكن أبا موسى، فأباه فلم يقبلوا منه، وأثنوا عليه، وقالوا: لا نرضى إلا به، فحكمه على مضض.
* * * ومنها قولهم: ترك الرأي لما دعاه العباس وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله إلى البيعة، وقال له: امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عم رسول الله صلى الله عليه وآله بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان، فلم يفعل، وقال: وهل يطمع فيها طامع غيري! فما راعه إلا الضوضاء واللغط في باب الدار، يقولون: قد بويع أبو بكر بن أبي قحافة.
الجواب: إن صواب الرأي وفساده فيما يرجع إلى مثل هذه الواقعة، يستندان إلى