والجواب: أما على مذهبنا، فإنه لم يكن عليه السلام منصوصا عليه وإنما كان يدعيها بالأفضلية والقرابة والسابقة والجهاد ونحو ذلك من الخصائص، فلما وقعت بيعة أبى بكر رأى هو علي عليه السلام أن الأصلح للاسلام ترك النزاع، وأنه يخاف من النزاع حدوث فتنة تحل معاقد الملة وتزعزع أركانها، فحضر وبايع طوعا، ووجب علينا بعد مبايعته ورضاه أن نرضى بمن رضى هو عليه السلام، ونطيع من أطاعه، لأنه القدوة، وأفضل من تركه صلى الله عليه وآله بعده.
وأما الامامية، فلهم عن ذلك جواب آخر معروف من قواعدهم.
* * * ومنها قولهم: إنه قصر في الرأي حيث دخل في الشورى، لأنه جعل نفسه بدخوله فيها نظيرا لعثمان وغيره من الخمسة، وقد كان الله تعالى رفعه عنهم وعلى من كان قبلهم، فوهن بذلك قدره، وطأطأ من جلالته، ألا ترى أنه يستهجن ويقبح من أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله أن يجعلا أنفسهما نظراء لبعض من بدا (1) طرفا من الفقه، ويستهجن ويقبح من سيبويه والأخفش أن يوازيا أنفسهما بمن يعلم أبوابا يسيرة من النحو!.
الجواب: إنه عليه السلام وإن كان أفضل من أصحاب الشورى، فإنه كان يظن أن ولى الامر أحدهم بعد عمر، لا يسير سيرة صالحة، وأن تضطرب بعض أمور الاسلام، وقد كان يثنى على سيرة عمر ويحمدها، فوجب عليه بمقتضى ظنه أن يدخل معهم فيما أدخله عمر فيه، توقعا لان يفضي الامر إليه، فيعمل بالكتاب والسنة، ويحيى معالم رسول الله صلى الله عليه وآله، وليس اعتماما يقتضيه الشرع مما يوجب نقصا في الرأي، فلا تدبير أصح ولا أسد من تدبير الشرع.