الموضعين، وفضل ما بين الآثمين، فمن لا يجيب إلى الخلافة والاستيلاء على جميع بلاد الاسلام إذا تسمح بلفظة يتلفظ بها، يجوز أن يتأولها أو يورى فيها، كيف يستجيب إلى إقرار الجائر، وتقوية يده مع تمكينه في سلطانه، لتحصل له طاعة أهل الشام واستضافة طرف من الأطراف! وكأن معنى قول القائل: هلا أقر معاوية على الشام، هو هلا كان عليه السلام متهاونا بأمر الدين راغبا في تشديد أمر الدنيا.
والجواب عن هذا ظاهر، وجهل السائل عنه واضح.
واعلم أن حقيقة الجواب هو أن عليا عليه السلام، كان لا يرى مخالفة الشرع، لأجل السياسة، سواء أكانت تلك السياسة دينية أو دنيوية، أما الدنيوية فنحو أن يتوهم الامام في إنسان أنه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقينا، فإن عليا عليه السلام لم يكن يستحل قتله، ولا حسبه، ولا يعمل بالتوهم وبالقول غير المحقق، وأما الدينية فنحو ضرب المتهم بالسرقة، فإنه أيضا لم يكن يعمل به، بل يقول: إن يثبت عليه بإقرار أو بينة، أقمت عليه الحد، وإلا لم أعترضه. وغير علي عليه السلام قد كان منهم من يرى خلاف هذا الرأي، ومذهب مالك بن أنس العمل على المصالح المرسلة، وأنه يجوز للامام أن يقتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين، ومذهب أكثر الناس أنه يجوز العمل بالرأي وبغالب الظن، وإذا كان مذهبه عليه السلام ما قلناه، وكان معاوية عنده فاسقا، وقد سبق عنده مقدمة أخرى يقينية، هي أن استعمال الفاسق لا يجوز ولم يكن ممن يرى تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة، فقد تعين مجاهرته بالعزل، وإن أفضى ذلك إلى الحرب.
* * * فهذا هو الجواب الحقيقي، ولو لم يكن هذا هو الجواب الحقيقي، لكان لقائل أن