والجواب عنه، أنه قد اختلف الرواة في خروج طلحة والزبير من المدينة: هل كان بإذن علي عليه السلام أم لا! فمن قال: إنهما خرجا عن غير إذنه ولا علمه، فسؤاله ساقط، ومن قال: إنهما استأذناه في العمرة، وأذن لهما، فقد روى أنه قال: والله ما تريدان العمرة، وإنما تريدان الغدرة! وخوفهما بالله من التسرع إلى الفتنة، وما كان يجوز له في الشرع أن يحبسهما، ولا في السياسة. أما في الشرع فلأنه محظور أن يعاقب الانسان بما لم يفعل، وعلى ما يظن منه، ويجوز ألا يقع، وأما في السياسة، فلأنه لو أظهر التهمة لهما - وهما من أفاضل السابقين، وجلة المهاجرين - لكان في ذلك من التنفير عنه مالا يخفى، ومن الطعن عليه ما هو معلوم، بأن يقال: إنه ليس من إمامته على ثقة، فلذلك يتهم الرؤساء، ولا يأمن الفضلاء، لا سيما وطلحة كان أول من بايعه، والزبير لم يزل مشتهرا بنصرته، فلو حبسهما، وأظهر الشك فيهما لم يسكن أحد إلى جهته، ولنفر الناس كلهم عن طاعته.
فإن قالوا: فهلا استصلحهما وولاهما، وارتبطهما بالإجابة إلى أغراضهما؟.
قيل لهم: فحوى هذا أنكم تطلبون من أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون في الإمامة مغلوبا على رأيه، مفتاتا عليه في تدبيره، فيقر معاوية على ولاية الشام غصبا، ويولي طلحة والزبير مصر والعراق كرها، وهذا شئ ما دخل تحته أحد ممن قبله، ولا رضوا أن يكون لهم من الإمامة الاسم، ومن الخلافة اللفظ، ولقد حورب عثمان وحصر على أن يعزل بعض ولاته فلم يجب إلى ذلك، فكيف تسومون عليا عليه السلام أن يفتتح أمره بهذه الدنية ويرضى بالدخول تحت هذه الخطة! وهذا ظاهر.
* * * ومنها تعلقهم بتولية أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن أبي بكر مصر، وعزله قيس بن سعد عنها، حتى قتل محمد بها، واستولى معاوية عليها.