والجواب أنه ليس يمكن أن يقال: إن محمدا رحمه الله لم يكن بأهل لولاية مصر، لأنه كان شجاعا زاهدا فاضلا، صحيح العقل والرأي، وكان مع ذلك من المخلصين في محبة أمير المؤمنين عليه السلام، والمجتهدين في طاعته، وممن لا يتهم عليه، ولا يرتاب بنصحه، وهو ربيبه وخريجه، ويجرى مجرى أحد أولاده عليه السلام، لتربيته له، وإشفاقه عليه.
ثم كان المصريون على غاية المحبة له، والايثار لولايته، ولما حاصروا عثمان وطالبوه بعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عنهم، اقترحوا تأمير محمد بن أبي بكر عليهم، فكتب له عثمان بالعهد على مصر وصار مع المصريين حتى تعقبه كتاب عثمان إلى عبد الله بن سعد في أمره وأمر المصريين بما هو معروف، فعادوا جميعا، وكان من قتل عثمان ما كان، فلم يكن ظاهر الرأي ووجه التدبير إلا تولية محمد بن أبي بكر على مصر، لما ظهر من ميل المصريين إليه، وإيثارهم له، واستحقاقه لذلك بتكامل خصال الفضل فيه، فكان الظن قويا باتفاق الرعية على طاعته، وانقيادهم إلى نصرته، واجتماعهم على محبته، فكان من فساد الامر واضطرابه عليه حتى كان ما كان، وليس ذلك يعيب على أمير المؤمنين عليه السلام، فإن الأمور إنما يعتمدها الامام على حسب ما يظن فيها من المصلحة، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى.
وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وآله في مؤتة جعفرا فقتل، وولى زيدا فقتل، وولى عبد الله بن رواحة فقتل، وهزم الجيش، وعاد من عاد منهم إلى المدينة بأسوأ حال، فهل لأحد أن يعيب رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا، ويطعن في تدبيره.!
* * * ومنها قولهم: إن جماعة من أصحابه عليه السلام فارقوه، وصاروا إلى معاوية، كعقيل بن أبي طالب أخيه، والنجاشي شاعره، ورقبة بن مصقلة أحد الوجوه من أصحابه، ولولا أنه