ما ورد به كتابك، لألفينك بين الحالين، طليحا. وهبني أخالك بعد خوض الدماء تنال الظفر، هل في ذلك عوض من ركوب المأثم، ونقص الدين.!
أما أنا فلا على بنى أمية ولا لهم، أجعل الحزم داري، والبيت سجني، وأتوسد الاسلام، واستشعر العافية. فاعدل أبا عبد الرحمن زمام راحلتك إلى محجة الحق، واستوهب العافية لأهلك، واستعطف الناس على قومك، وهيهات من قبلوك ما أقول حتى يفجر مروان ينابيع الفتن تأجج في البلاد، وكأني بكما عند ملاقاة الابطال تعتذران بالقدر، ولبئس العاقبة الندامة! وعما قليل يضح لك الامر. والسلام.
هذا آخر ما تكاتب القوم به، ومن وقف عليه علم أن الحال لم يكن حالا يقبل العلاج والتدبير، وأنه لم يكن بد من السيف، وأن عليا عليه السلام كان أعرف بما عمل.
وقد أجاب ابن سنان في كتابه الذي سماه (العادل) عن هذا السؤال، فقال: قد علم الناس كافة أنه عليه السلام في قصة الشورى عرض عليه عبد الرحمن بن عوف، أن يعقد له الخلافة على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبى بكر وعمر، فلم يستجب إلى ذلك، وقال: بل علي أن أعمل بكتاب الله وسنة رسوله، وأجتهد رأيي.
وقد اختلف الناس في ذلك، فقالت الشيعة: إنما لم يدخل تحت الشرط، لأنه لم يستصوب سيرتهما. وقال غيرهم: إنما امتنع لأنه مجتهد، والمجتهد لا يقلد المجتهد، فأيهما أقرب على القولين جميعا إثما، وأيسر وزرا! أن يقر معاوية على ولاية الشام مدة إلى أن تتوطد خلافته، مع ما ظهر من جور معاوية وعداوته، ومد يده إلى الأموال والدماء أيام سلطانه، أو أن يعاهد عبد الرحمن على العمل بسيرة أبى بكر وعمر، ثم يخالف بعض أحكامها إذا استقر الامر له، ووقع العقد! ولا ريب أن أحدا لا يخفى عليه فضل ما بين