وولى معاوية اثنتين وأربعين سنة، منها اثنتان وعشرون سنة ولى فيها إمارة الشام منذ مات أخوه يزيد بن أبي سفيان، بعد خمس سنين من خلافة عمر، إلى أن قتل أمير المؤمنين علي عليه السلام في سنة أربعين. ومنها عشرون سنة خليفة إلى أن مات في سنة ستين.
ومر به إنسان وهو غلام يلعب مع الغلمان، فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه، فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه!
ولم يزل معاوية ذا همة عالية، يطلب معالى الأمور، ويرشح نفسه للرياسة، وكان أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله. واختلف في كتابته له كيف كانت، فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أن الوحي كان يكتبه علي عليه السلام وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأن حنظلة بن الربيع التيمي ومعاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤساء القبائل، ويكتبان حوائجه بين يديه، ويكتبان ما يجبى من أموال الصدقات وما يقسم في أربابها.
وكان معاوية على أس (1) الدهر مبغضا لعلى عليه السلام، شديد الانحراف عنه، وكيف لا يبغضه، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر، وخاله الوليد بن عتبة، وشرك عمه في جده وهو عتبة - أو في عمه، وهو شيبة، على اختلاف الرواية - وقتل من بنى عمه عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم، ثم جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان، فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه، وانضواء كثير من قتلته إليه عليه السلام، فتأكدت البغضة، وثارت الأحقاد، وتذكرت تلك الترات الأولى، حتى أفضى الامر إلى ما أفضى إليه.
وقد كان معاوية، مع عظم قدر علي عليه السلام في النفوس، واعتراف العرب بشجاعته، وأنه البطل الذي لا يقام له، يتهدده - وعثمان بعد حي - بالحرب والمنابذة، ويراسله من الشام رسائل خشنة، حتى قال له في وجهه ما رواه أبو هلال العسكري في كتاب " الأوائل "، قال: