قدم معاوية المدينة قدمة أيام عثمان في أواخر خلافته، فجلس عثمان يوما للناس، فاعتذر من أمور نقمت عليه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل توبة الكافر، وإني رددت الحكم عمى لأنه تاب، فقبلت توبته، ولو كان بينه وبين أبى بكر وعمر من الرحم ما بيني وبينه لآوياه، فأما ما نقمتم على إني أعطيت من مال الله، فإن الامر إلى، أحكم في هذا المال بما أراه صلاحا للأمة، وإلا فلما ذا كنت خليفة! فقطع عليه الكلام معاوية وقال للمسلمين الحاضرين عنده: أيها المهاجرون، قد علمتم أنه ليس منكم رجل إلا وقد كان قبل الاسلام مغمورا في قومه، تقطع الأمور من دونه، حتى بعث الله رسوله فسبقتم إليه، وأبطأ عنه أهل الشرف والرياسة، فسدتم بالسبق لا بغيره، حتى إنه ليقال اليوم: رهط فلان، وآل فلان، ولم يكونوا قبل شيئا مذكورا، وسيدوم لكم هذا الامر ما استقمتم، فإن تركتم شيخنا هذا يموت على فراشه وإلا خرج منكم، ولا ينفعكم سبقكم وهجرتكم.
فقال له علي عليه السلام: ما أنت وهذا يا بن اللخناء! فقال معاوية: مهلا يا أبا الحسن عن ذكر أمي، فما كانت بأخس نسائكم، ولقد صافحها رسول الله صلى الله عليه يوم أسلمت ولم يصافح امرأة غيرها، أما لو قالها غيرك! فنهض علي عليه السلام ليخرج مغضبا، فقال عثمان: اجلس، فقال له: لا أجلس، فقال: عزمت عليك لتجلسن، فأبى وولى، فأخذ عثمان طرف ردائه فترك الرداء في يده وخرج، فأتبعه عثمان بصره، فقال: والله لا تصل إليك ولا إلى أحد من ولدك.
قال أسامة بن زيد: كنت حاضرا هذا المجلس، فعجبت في نفسي من تألى عثمان، فذكرته لسعد بن أبي وقاص، فقال: لا تعجب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: " لا ينالها على ولا ولده " قال أسامة: فإني في الغد لفي المسجد، وعلى وطلحة والزبير وجماعة من المهاجرين جلوس، إذ جاء معاوية، فتآمروا بينهم ألا يوسعوا له، فجاء حتى جلس بين أيديهم،