لم يطعم، وهذه عادته في الحرب، وكان أيضا شيخا عالي السن، فجعل عبد الله ينادى:
* اقتلوني ومالكا (1) * فلو قال: " اقتلوني والأشتر " لقتلوهما، إلا أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما، لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض، وأفلت ابن الزبير من تحته أو لم يكد، فذلك قول الأشتر:
أعائش لولا أنني كنت طاويا * ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا غداة ينادى والرجال تحوزه * بأضعف صوت: اقتلوني ومالكا!
فلم يعرفوه إذ دعاهم وغمه * خدب عليه في العجاجة باركا (2) فنجاه منى أكله وشبابه * وأنى شيخ لم أكن متماسكا * * * وروى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل عمار بن ياسر ومالك بن الحارث الأشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل فقالت عائشة: يا عمار، من معك؟ قال الأشتر:
فقالت: يا مالك، أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت؟ قال: نعم، ولولا أنى كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه، فقالت: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه قال: " لا يحل دم مسلم الا بأحد أمور ثلاث: كفر بعد الايمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق "! قال الأشتر: على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين، وأيم الله ما خانني سيفي قبلها، ولقد أقسمت ألا يصحبني بعدها.
قال أبو مخنف: ففي ذلك يقول الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه:
وقالت على أي الخصال صرعته * بقتل أتى، أم ردة لا أبا لكا!
أم المحصن الزاني الذي حل قتله * فقلت لها لا بد من بعض ذلكا * * *