وقال قوم: إن عمرا لما قتل من قتل، وأراد أن يخرج لطلب البراز، قال للأزد: يا معشر الأزد، إنكم قوم لكم حياء وبأس، وإني قد وترت القوم وهم قاتلي، وهذه أمكم نصرها دين، وخذلانها عقوق، ولست أخشى أن أقتل حتى أصرع، فإن صرعت فاستنقذوني.
فقالت له الأزد: ما في هذا الجمع أحد نخافه عليك إلا الأشتر، قال: فإياه أخاف.
قال أبو مخنف: فقيضه الله له، وقد أعلما جميعا، فارتجز الأشتر:
إني إذا ما الحرب أبدت نابها * وأغلقت يوم الوغى أبوابها ومزقت من حنق أثوابها * كنا قداماها ولا أذنابها (1) ليس العدو دوننا أصحابها * من هابها اليوم فلن أهابها * لا طعنها أخشى ولا ضرابها * ثم حمل عليه فطعنه فصرعه، وحامت عنه الأزد فاستنقذوه، فوثب وهو وقيذ ثقيل (2)، فلم يستطع أن يدفع عن نفسه، واستعرضه عبد الرحمن بن طود البكري، فطعنه فصرعه ثانية، ووثب عليه رجل من سدوس، فأخذه مسحوبا برجله حتى أتى به عليا عليه السلام، فناشده الله، وقال: يا أمير المؤمنين، اعف عنى، فإن العرب لم تزل قائلة عنك: إنك لم تجهز على جريح قط. فأطلقه، وقال: إذهب حيث شئت، فجاء إلى أصحابه وهو لما به.
حضره الموت، فقالوا له: دمك عند أي الناس؟ فقال: أما الأشتر فلقيني وأنا كالمهر الأرن (3)، فعلا حده حدى، ولقيت رجلا يبتغى له عشرة أمثالي. وأما البكري فلقيني، وأنا لما بي، وكان يبتغى لي عشرة أمثاله، وتولى أسرى أضعف القوم، وصاحبي الأشتر.
قال أبو مخنف: فلما انكشفت الحرب، شكرت ابنة عمرو بن يثربي الأزد، وعابت قومها، فقالت: