فخرج إليه علي عليه السلام، فلم يمهله أن ضربه، فقلق هامته.
* * * قالوا: استدار الجمل كما تدور الرحا، وتكاثفت الرجال من حوله، واشتد رغاؤه واشتد زحام الناس عليه، ونادى الحتات المجاشعي: أيها الناس، أمكم أمكم! واختلط الناس، فضرب بعضهم بعضا، وتقصد أهل الكوفة قصد الجمل، والرجال دونه كالجبال، كلما خف قوم جاء أضعافهم، فنادى علي عليه السلام: ويحكم! ارشقوا الجمل بالنبل، اعقروه لعنه الله!
فرشق بالسهام، فلم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل، وكان متجفجفا (1) فتعلقت السهام به، فصار كالقنفذ، ونادت الأزد وضبة: يا لثارات عثمان! فاتخذوها شعارا، ونادى أصحاب علي عليه السلام: يا محمد! فاتخذوها شعارا، واختلط الفريقان، ونادى علي عليه السلام بشعار رسول الله صلى الله عليه وآله: يا منصور أمت (2). وهذا في اليوم الثاني من أيام الجمل، فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم، وذلك وقت العصر، بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر.
قال الواقدي: وقد روى أن شعاره عليه السلام كان في ذلك اليوم " حم لا ينصرون.
اللهم انصرنا على القوم الناكثين "، ثم تحاجز الفريقان، والقتل فاش فيهما، إلا أنه في أهل البصرة أكثر، وأمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة، ثم تواقفوا في اليوم الثالث، فبرز أول الناس عبد الله بن الزبير، ودعا إلى المبارزة، فبرز إليه الأشتر، فقالت عائشة: من برز إلى عبد الله؟ قالوا: الأشتر، فقالت: وا ثكل أسماء! فضرب كل منهما صاحبه فجرحه، ثم اعتنقا، فصرع الأشتر عبد الله، وقعد على صدره، واختلط الفريقان: هؤلاء لينقذوا عبد الله، وهؤلاء ليعينوا الأشتر. وكان الأشتر طاويا ثلاثة أيام