فتكلم العباس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله ابتعث محمدا نبيا، كما وصفت، ووليا للمؤمنين، فمن الله به على أمته حتى اختار له ما عنده، فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم، مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم، ما تقدمنا في أمركم فرطا، ولا حللنا وسطا، ولا نزحنا شحطا، فإن كان هذا الامر يجب لك بالمؤمنين، فما وجب، إذ كنا كارهين وما أبعد قولك إنهم طعنوا من قولك أنهم مالوا إليك، وأما ما بذلت لنا، فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض. وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان. وأما قولك: إن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله من شجرة نحن أغصانها، وأنتم جيرانها، وأما قولك: يا عمر، إنك تخاف الناس علينا، فهذا الذي قدمتموه أول ذلك، وبالله المستعان.
* * * لما اجتمع المهاجرون على بيعة أبى بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: أما والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم! يا لعبد مناف، فيم أبو بكر من أمركم!
أين المستضعفان؟ أين الأذلان! يعنى عليا والعباس، ما بال هذا الامر في أقل حي من قريش.
ثم قال لعلي: أبسط يدك أبايعك، فوالله إن شئت لأملأنها على أبى فضيل - يعنى أبا بكر - خيلا ورجلا، فامتنع عليه علي عليه السلام، فلما يئس منه قام عنه وهو ينشد شعر المتلمس: