السلام، لإجالة الرأي، وتكلموا بكلام يقتضى الاستنهاض والتهييج، فقال العباس رضي الله عنه: قد سمعنا قولكم فلا لقلة نستعين بكم، ولا لظنة نترك آراءكم، فأمهلونا نراجع الفكر، فإن يكن لنا من الاثم مخرج يصر بنا وبهم الحق صرير الجدجد، ونبسط إلى المجد أكفا لا نقبضها أو نبلغ المدى، وإن تكن الأخرى، فلا لقلة في العدد ولا لوهن في الأيد، والله لولا أن الاسلام قيد الفتك، لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلى.
فحل علي عليه السلام حبوته، وقال: الصبر حلم، والتقوى دين، والحجة محمد، والطريق الصراط، أيها الناس شقوا أمواج الفتن... الخطبة، ثم نهض فدخل إلى منزله وافترق القوم.
* * * وقال البراء بن عازب: لم أزل لبني هاشم، محبا فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الامر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي صلى الله عليه وآله في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش، فأنى كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بنى ساعدة، وإذا قائل آخر يقول:
قد بويع أبو بكر، فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبى بكر يبايعه، شاء ذلك أو أبى، فأنكرت عقلي، وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم، والباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا، وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة، فقال العباس تربت أيديكم إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني. فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت