الأصل:
وفرض عليكم حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الانعام، ويألهون إليه ولوه الحمام، وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، واختار من خلقه سماعا أجابوا إليه دعوته، وصدقوا (1) كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته. جعله سبحانه وتعالى للاسلام علما، وللعائذين حرما، وفرض حقه، وأوجب حجه (2) وكتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين) (3).
* * * الشرح:
الوله: شدة الوجد، حتى يكاد العقل يذهب، وله الرجل يوله ولها. ومن روى:
" يألهون إليه ولوه الحمام " فسره بشئ آخر، وهو يعكفون عليه عكوف الحمام، وأصل " أله " عبد، ومنه الاله، أي المعبود. ولما كان العكوف على الشئ كالعبادة له لملازمته والانقطاع إليه قيل: أله فلان إلى كذا، أي عكف عليه كأنه يعبده. ولا يجوز أن يقال: " يألهون إليه " في هذا الموضع بمعنى " يولهون "، وأن أصل الهمزة الواو كما فسره الراوندي لان " فعولا " لا يجوز أن يكون مصدرا من فعلت بالكسر، ولو كان يألهون هو يولهون، كان أصله أله بالكسر، فلم يجز أن يقول: " ولوه الحمام "، وأما على ما فسرناه نحن فلا يمتنع أن يكون الولوه مصدرا، لان " أله " مفتوح، فصار كقولك: دخل دخولا.
وباقي الفصل غنى عن التفسير.