فالراوي الذي يندر منه التصحيف ولا يؤثر على معنى ما يرويه تأثيرا قبيحا يستهجن به: فهذا لا يؤثر عليه تصحيفه، ويبقى مقبول الرواية موصوفا بالضبط.
ومثال التصحيف غير القبيح: ما حكاه ابن الصلاح وغيره أن أبا بكر الصولي روى حديث: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال) فصحفه وقال:
وأتبعه شيئا من شوال.
أما فاحش التصحيف وكثيره فيقال فيه: سيئ الضبط، أو ما هو أشد من ذلك، ويترك حديثه. قال أبو أحمد العسكري: (أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم إجازة، أنبأنا أحمد بن عمير الطبري، حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي في كلام ذكر فيه قال: فإن قال: فما الغفلة التي ترد بها حديث الرجل الرضى الذي لا يعرف يكذب؟ قلت: هو أن يكون في كتابه غلط، فيقال له في ذلك، فيترك ما في كتابه، فيحدث بما قالوا ويغيره بقولهم في كتابه، لا يعرف فرق ما بين ذلك. أو يصحف تصحيفا فاحشا يقلب المعنى لا يعقل ذلك، فيكف عنه).
قلت: ومثال هذا التصحيف الفاحش ما حكاه العسكري نفسه بعد قليل قال:
(حكى القاضي أحمد بن كامل، عن أبي العيناء قال: حضرت بعض مشايخ الحديث من المغفلين فقال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله، عن رجل. قال: فنظرت من هذا الذي يصلح أن يكون شيخا لله!! فإذا هو صحفه، وإذا هو عز وجل).
ولعل هذه النظرة السريعة العجلي تبل غلة الصادي، وتلقي ظلالا على معنى (التصحيف والتحريف)، فتوضح المراد منهما، أو تقربه.
والله المستعان، وعليه الاتكال، والحمد له في البدء والختام، وصلى الله وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
المدينة المنورة في 27 من جمادي الآخرة سنة 1401.