وجمعهم بعد تفرقهم لما يريد من توقيفهم ومساءلتهم عن الأعمال فمن أحسن منهم يجزيه بإحسانه [ومن أساء منهم يجزيه بإساءته]. (1) ثم ميزهم فجعلهم فريقين فريقا في ثوابه وفريقا في عقابه. ثم خلدهم لا بد دائم خيره مع المطيعين، وشره مع العاصين.
فأثاب أهل الطاعة بجواره وبخلوده في داره وعيش رغد، وخلود أبد، ومجاورة رب كريم ومرافقة محمد صلى الله عليه وآله حيث لا يطعن النزال ولا تغير بهم الحال ولا تصيبهم الأفزاع ولا تنوبهم الفجائع ولا تصيبهم الأسقام ولا الأحزان (2)، قد أمنوا الموت فلا يخافون الفوت صفا لهم العيش ودامت لهم النعمة والكرامة في أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم.
على فرش منضدة وأزواج مطهرة وحور عين كأنهن بيض مكنون، وكأنهن الياقوت والمرجان.
في فاكهة دائمة غير مقطوعة ولا ممنوعة، تدخل عليهم الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعمى عقبى الدار مع التحية من العزيز الجبار سلام قولا من رب رحيم، وبرزت الجحيم للغاوين.
ونزل بأهل معصيته سطوة مجتاحة وعقوبة متاحة وقربت الجحيم بالسواطع من اللهب وتغيظ وزفير ووعيد، قد تأجج جحيمها وغلا حميمها وتوقد سمومها وحمى زقومها لا يخبأ سعيرها ولا ينقطع زفيرها ولا يموت خالدها ولا يظعن مقيمها ولا يفادى