علي بن أبي طالب هذه البينونة ويشهره هذه الشهرة إلا بأمر من الله، فهذا من قولكم تهمة فإن أقمتم عليه بعد البينة كفرتم.
فإن قالوا: فدلونا على قوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " يحتمل ما قلتم من التقدمة والإبانة في اللغة، قلنا: ذلك ما لا يستنكر في كلامهم وتعاملهم، قد يقول الرجل للرجل إذا أراد تقديمه وتفضيله على نفسه، فلان مولاي يريد بذلك أنه سيدي والمتقدم علي والبائن مني.
والمولى قد يكون في اللغة على طريق الولاية وعلى طريق الولاء في العتق وعلى طريق السؤدد والإبانة في الفضل، واحتمل [اللفظ] هذه الوجوه الثلاثة فبطل الوجهان (1) من الحديث وثبت الثالث وهو ما قلنا.
على إنا قد بينا استحقاق علي لهذه المنزلة من النبي عليه السلام بما قد ذكرنا من مناقبه وفضائله، فله علي جميع المؤمنين التقدمة في السؤدد، والفضل بما له عليهم من النعمة والمنة والشرف (2) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم مولى المؤمنين جميعا بالسؤدد لأن به تخلصوا من الضلال ودخلوا في نعمة الإسلام حتى استنقذهم بدعائه وأمره وقيامه وصبره في ساعات الخوف والضيق من شفا الحفرة ومعاطب الهلكة.
ولعلي الفضل عليهم بذبه عنهم بسيفه، وقيامه بالاصطلاء بحروب عدوهم منة ونعمة استحق بها عليهم السؤدد والتقدم، لأنه قوى بذلك عزائمهم، وأزال الشكوك بفعله عنهم، وثبت يقينهم، وحاما عن أنفسهم وأموالهم في مواقف مشهورة قد ذكرنا بعضها.
ثم حفظه لما جاء به النبي عليه السلام من الدين والسبق، وعنايته بذلك ينبه عاقلهم ويعلم جاهلهم، ويقيم الحجة على معاندهم، وسنذكر فضله عليهم في العلم في موضعه.