ثم قال: أما ما احتججتما به علي من أمر الاستشارة فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولا لي فيها محبة (1) ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، وأنا كاره فخفت أن تختلفوا وأن أردكم عن جماعتكم. فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمر بالحكم فيه (2) وما قسم واستن النبي عليه السلام فأمضيته وابتعته، فلم أحتج إلى رأيكما ولا دخولكما معي، ولا غيركما، ولم يقع حق جهلته فأثق برأيكما فيه وأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما إذا كان أمر ليس في كتاب الله بيانه وبرهانه، ولم يكن فيه سنة من نبينا عليه السلام ولم يمض فيه أحكام من إخواننا ممن يقتدى برأيه ويرضى بحكمه.
وأما ما ذكرتما من الأسوة. فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ولم أقسمه، قد وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما قد فرغ الله من قسمته (3) وأمضى فيه حكمه.
وأما قولكم جعلت لهم فيئنا وما أفاءت رماحنا وسيوفنا فقدما ما سبق إلى الإسلام قوم لم يضرهم في شئ من الأحكام إذا استؤثر عليهم، ولم يضرهم حين استجابوا لربهم والله موفيهم يوم القيامة أعمالهم. ألا وإنا مجرون عليهم أقسامهم فليس لكما والله عندي ولا لغير كما في هذا عتبا (4).
أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر.
ثم قال: رحم الله رجلا رأى حقا فأعان عليه، أو رأى جورا فرده، وكان عونا للحق على صاحبه.