سليمان الأعمش كما أخرج البخاري من طريق أبي عوانة عن الأعمش فغسلها مرة أو مرتين قال سليمان لا أدري أذكر الثالثة أم لا (ثم ضرب بيده الأرض) فيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض (ثم تمضمض واستنشق) قال الحافظ فيه دليل على مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما وتعقب بأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب وليس الأمر هنا كذلك قاله ابن دقيق العيد قلت قد اختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق في الغسل والوضوء هل هما واجبتان أو سنتان قال الترمذي اختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق فقال طائفة منهم إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق وقال أحمد الاستنشاق أوكد من المضمضة وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد الوضوء وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة من النبي صلى الله عليه وسلم فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة وهو قول مالك والشافعي انتهى قلت إن المضمضة والاستنشاق في الوضوء لا يشك شاك في وجوبهما لأن أدلة الوجوب قد تكاثرت قال صلى الله عليه وسلم إذا توضأت فمضمض وقال عمرو بن عبسة يا نبي الله حدثني عن الوضوء فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر في تعليمه له المضمضة والاستنشاق فمن تركهما لا يكون متوضئا ولم يحك أحد من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم تركهما قط ولو بمرة بل ثبت بالأحاديث الصحيحة المشهورة التي تبلغ درجة التواتر مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما فأمره صلى الله عليه وسلم مع المواظبة عليهما يدل بدلالة واضحة على وجوبهما وأما وجوبهما في الغسل فهو أيضا ثابت بحديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك أو قال بشرتك قال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه أبو حاتم فقوله صلى الله عليه وسلم أمسه بشرتك ورد بصيغة الأمر وظاهره الوجوب وموضع المضمضة هو الفم واللسان وموضع الاستنشاق كلاهما من ظاهر الجلد فيجب إيصال الماء إليهما وبينته الروايات الأخرى أنه بالمضمضة والاستنشاق والله تعالى أعلم (ثم تنحى) أي تباعد وتحول عن مكانه (ناحية) أخرى (فغسل رجليه) وفيه التصريح بتأخير الرجلين في الغسل إلى آخر الغسل وقد جاءت الأحاديث في هذا الباب بثلاثة أنواع
(٢٨٥)