بعيد لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب لان كل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة وهذا ليس موضع تكثير لما سرقه السارق ولان من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح الله فلانا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك وانما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث أو في كبة شعر أو رداء خلق وكل ما كان نحو ذلك كان أبلغ انتهى ورأيته في غريب الحديث لابن قتيبة وفيه حضرت يحيى بن أكثم بمكة قال فرأيته يذهب إلى هذا التأويل ويعجب به ويبدئ ويعيد قال وهذا لا يجوز فذكره وقد تعقبه أبو بكر بن الأنباري فقال ليس الذي طعن به بن قتيبة على تأويل الخبر بشئ لان البيضة من السلاح ليست علما في كثرة الثمن ونهاية في غلو القيمة فتجري مجرى العقد من الجوهر والجراب من المسك اللذين ربما يتساويان الألوف من الدنانير بل البيضة من الحديد ربما اشتريت بأقل مما يجب فيه القطع وانما مراد الحديث أن السارق يعرض قطع يده بما لا غنى له به لان البيضة من السلاح لا يستغني بها أحد وحاصله أن المراد بالخبر أن السارق يسرق الجليل فتقطع يده ويسرق الحقير فتقطع يده فكأنه تعجيز له و تضعيف لاختياره لكونه باع يده بقليل الثمن و كثيره وقال المازري تأول بعض الناس البيضة في الحديث ببيضة الحديد لأنه يساوي نصاب القطع وحمله بعضهم على المبالغة في التنبيه على عظم ما خسر وحقر ما حصل وأراد من جنس البيضة والحبل ما يبلغ النصاب قال القرطبي ونظير حمله على المبالغة ما حمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة فأن أحد ما قيل فيه إنه أراد المبالغة في ذلك وإلا فمن المعلوم أن مفحص القطاة وهو قدر ما تحضن فيه بيضها لا يتصور أن يكون مسجدا قال ومنه تصدقن ولو بظلف محرق وهو مما لا يتصدق به ومثله كثير في كلامهم وقال عياض لا ينبغي أن يلتفت لما ورد أن البيضة بيضة الحديد والحبل حبل السفن لان مثل ذلك له قيمة وقدر فان سياق الكلام يقتضي ذم من أخذ القليل لا الكثير والخبر إنما ورد لتعظيم ما جنى على نفسه بما تقل به قيمته لا بأكثر والصواب تأويله على ما تقدم من تقليل أمره وتهجين فعله وأنه إن لم يقطع في هذا القدر جرته عادته إلى ما هو أكثر منه وأجاب بعض من انتصر لتأويل الأعمش أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله عند نزول الآية مجملة قبل بيان نصاب القطع انتهى وقد أخرج بن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عم أبيه عن علي أنه قطع يد سارق في بيضة حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات مع انقطاعه ولعل هذا مستند التأويل الذي أشار إليه الأعمش وقال بعضهم البيضة في اللغة تستعمل في المبالغة في المدح وفي المبالغة في الذم فمن الأولى قولهم فلان بيضة البلد إذا كان فردا في العظمة وكذا في الاحتقار ومنه قول أخت عمرو بن عبد ود لما قتل علي أخاها يوم الخندق في مرثيتها له لكن قاله من لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد ومن الثاني قول الآخر يهجو قوما تأبى قضاعة أن تبدي لكم نسبا * وابنا نزار فأنتم بيضة البلد ويقال في المدح أيضا بيضة القوم أي وسطهم وبيضة السنام أي شحمته فلما كانت البيضة تستعمل في كل من الامرين حسن التمثيل بها كأنه قال يسرق الجليل والحقير فيقطع فرب
(٧٣)