وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل ذلك ليكون ردعا لهم وزجرا عن انتهاك شئ منها ولا يكون لمعين لئلا يقنط قال فإن كان هذا مراد البخاري فهو غير صحيح لأنه إنما نهى عن لعن الشارب وقال لا تعينوا عليه الشيطان بعد إقامة الحد عليه (قلت) وقد تقدم تقرير ذلك قريبا وقال الداودي قوله في هذا الحديث لعن الله السارق يحتمل أن يكون خبرا ليرتدع من سمعه عن السرقة ويحتمل أن يكون دعاء (قلت) ويحتمل أن لا يراد به حقيقة اللعن بل للتنفير فقط وقال الطيبي لعل هنا المراد باللعن الإهانة والخذلان كأنه قيل لما استعمل أعز شئ في أحقر شئ خذله الله حتى قطع وقال عياض جوز بعضهم لعن المعين ما لم يحد لان الحد كفارة قال وليس هذا بسديد لثبوت النهي عن اللعن في الجملة فحمله على المعين أولى وقد قيل إن لعن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي كان تحذيرا لهم عنها قبل وقوعها فإذا فعلوها استغفر لهم ودعا لهم بالتوبة وأما من أغلظ له ولعنه تأديبا على فعل فعله فقد دخل في عموم شرطه حيث قال سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة (قلت) وقد تقدم الكلام عليه فيما مضى وبينت هناك أنه مقيد بما إذا صدر في حق من ليس له بأهل كما قيد له بذلك في صحيح مسلم (قوله عن أبي هريرة) في رواية محمد بن الحسين عن أبي الحنين عن عمر بن حفص شيخ البخاري فيه سمعت أبا هريرة وكذا في رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح سمعت أبي هريرة وسيأتي بعد سبعة أبواب في باب توبة السارق وقال ابن حزم وقد سلم من تدليس الأعمش (قلت) ولم ينفرد به الأعمش أخرجه أبو عوانة في صحيحه من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح (قوله لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش عند مسلم والإسماعيلي ان سرق بيضة قطعت يده وان سرق حبلا قطعت يده (قوله قال الأعمش) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله كانوا يرون) بفتح أوله من الرأي وبضمه من الظن (قوله أنه بيض الحديد) في رواية الكشميهني بيضة الحديد (قوله والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم) وقع لغير أبي ذر يسوى وقد أنكر بعضهم صحتها والحق أنها جائزة لكن بقلة قال الخطابي تأويل الأعمش هذا غير مطابق لمذهب الحديث ومخرج الكلام فيه وذلك أنه ليس بالشائع في الكلام أن يقال في مثل ما ورد فيه الحديث من اللوم والتثريب أخزى الله فلانا عرض نفسه للتلف في مال له قدر ومزية وفي عرض له قيمة انما يضرب المثل في مثله بالشئ الذي لا وزن له ولا قيمة هذا حكم العرف الجاري في مثله وانما وجه الحديث وتأويله ذم السرقة وتهجين أمرها وتحذير سوء مغبتها فيما قل وكثر من المال كأنه يقول إن سرقة الشئ اليسير الذي لا قيمة له كالبيضة المذرة والحبل الحاق الذي لا قيمة له إذا تعاطاه فاستمرت به العادة لم ييأس أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها حتى يبلغ قدر ما تقطع فيه اليد فتقطع يده كأنه يقول فليحذر هذا الفعل وليتوقه قبل أن تملكه العادة ويمرن عليها ليسلم من سوء مغبته ووخيم عاقبته (قلت) وسبق الخطابي إلى ذلك أبو محمد بن قتيبة فيما حكاه ابن بطال فقال احتج الخوارج بهذا الحديث على أن القطع يجب في قليل الأشياء وكثيرها ولا حجة لهم فيه وذلك أن الآية لما نزلت قال عليه والسلام ذلك على ظاهر ما نزل ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فكان بيانا لما أجمل فوجب المصير إليه قال وأما قول الأعمش أن البيضة في هذا الحديث بيضة الحديد التي تجعل في الرأس في الحرب وأن الحبل من حبال السفن فهذا تأويل
(٧٢)