اخذ المشركون عمارا فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له كيف تجد قلبك قال مطمئنا بالايمان قال فان عادوا فعد وهو مرسل ورجاله ثقات أخرجه الطبري وقبله عبد الرزاق وعنه عبد بن حميد وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في السند فقال عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه وهو مرسل أيضا وأخرج الطبري أيضا من طريق عطية العوفي عن ابن عباس نحوه مطولا وفي سنده ضعف وفيه أن المشركين عذبوا عمارا وأباه وأمه وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما مولى أبي حذيفة فمات ياسر وامرأته في العذاب وصبر الآخرون وفي رواية مجاهد عن ابن عباس عند ابن المنذر أن الصحابة لما هاجروا إلى المدينة أخذ المشركين خبابا وبلالا وعمارا فأطاعهم عمار وأبى الآخران فعذبوهما وأخرجه الفاكهي من مرسل زيد بن أسلم وان ذلك وقع من عمار عند بيعة الأنصار في العقبة وان الكفار أخذوا عمارا فسألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فجحدهم خبره فأرادوا أن يعذبوه فقال هو يكفر بمحمد وبما جاء به فأعجبهم وأطلقوه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وفي سنده ضعف أيضا وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن سيرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عمار بن ياسر وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عنه ويقول أخذك المشركون فغطوك في الماء حتى قلت لهم كذا إن عادوا فعد ورجاله ثقات مع إرساله أيضا وهذه المراسيل تقوي بعضها بعض وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق مسلم الأعور وهو ضعيف عن مجاهد عن ابن عباس قال عذب المشركون عمارا حتى قال لهم كلاما تقية فاشتد عليه الحديث وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان قال أخبر الله أن من كفر بعد ايمانه فعليه غضب من الله وأما من أكره بلسانه وخالفه قلبه بالايمان لينجو بذلك من عدوه فلا حرج عليه أن الله انما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم (قلت) وعلى هذا فالاستثناء مقدم من قوله فعليهم غضب كأنه قبل فعليهم غضب من الله إلا من أكره لان الكفر يكون بالقول والفعل من غير اعتقاد وقد يكون باعتقاد فاستثنى الأول وهو المكره (قوله وقال إلا أن تتقوا منهم تقاة وهي تقية) أخذه من كلام أبي عبيدة قال تقاة وتقية واحد (قلت) وقد تقدم ذلك في تفسير آل عمران ومعنى الآية لا يتخذ المؤمن الكافر وليا في الباطن ولا في الظاهر إلا للتقية في الظاهر ويجوز أن يواليه إذا خافه ويعاديه باطنا قيل الحكمة في العدول عن الخطاب أن موالاة الكفار لما كانت مستقبحة لم يواجه الله المؤمنين بالخطاب (قلت) ويظهر لي أن الحكمة فيه أنه لما تقدم الخطاب في قوله لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم كأنهم أخذوا بعمومه حتى أنكروا على من كان له عذر في ذلك فنزلت هذه الآية رخصة في ذلك وهو كالآيات الصريحة في الزجر عن الكفر بعد الايمان ثم رخص فيه لمن أكره على ذلك (قوله وقال إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض إلى قوله عفوا غفورا وقال والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) هكذا في رواية أبي ذر وهو صواب وانما أوردته بلفظه للتنبيه على ما وقع من الاختلاف عند الشراح ووقع في رواية كريمة والأصيلي
(٢٧٨)