الرابع حديث ابن مسعود (قوله سفيان) هو الثوري (قوله قال رجل) لم أقف على اسمه (قوله ومن أساء في الاسلام أخذ بالأول والآخر) قال الخطابي ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة ان الاسلام يجب ما قبله و قال تعالى قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد قال ووجه هذا الحديث أن الكافر إذا أسلم لم يؤاخذ بما مضى فان أساء في الاسلام غاية الإساءة وركب أشد المعاصي وهو مستمر على الاسلام فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الاسلام ويبكت بما كان منه في المكفر كأن يقال له ألست فعلت كذا وأنت كافر فهلا منعك اسلامك عن معاودة مثله انتهى ملخصا وحاصله أنه أول المؤاخذة في الأول بالتبكيت وفي الاخر بالعقوبة والأولى قول غيره إن المراد بالإساءة الكفر لأنه غاية الإساءة وأشد المعاصي فإذا ارتد ومات على كفره كان كمن لم يسلم فيعاقب على جميع ما قدمه والى ذلك أشار البخاري بإيراد هذا الحديث بعد حديث أكبر الكبائر الشرك وأورد كلا في أبواب المرتدين ونقل ابن بطال عن المهلب قال معنى حديث الباب من أحسن في الاسلام بالتمادي على محافظته والقيام بشرائطه لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الاسلام أي في عقده بترك التوحيد أخد بكل ما أسلفه قال ابن بطال فعرضته على جماعة من العلماء فقالوا لا معنى لهذا الحديث غير هذا ولا تكون الإساءة هنا إلا الكفر للاجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية (قلت) وبه جزم المحب الطبري ونقل ابن التين عن الداودي معنى من أحسن مات على الاسلام ومن أساء مات على غير الاسلام عن أبي عبد الملك البوني معنى من أحسن في الاسلام أي أسلم اسلاما صحيحا لا نفاق فيه ولا شك ومن أساء في الاسلام أي أسلم رياء وسمعة وبهذا جزم القرطبي ولغيره معنى الاحسان الاخلاص حين دخل فيه ودوامه عليه إلى موته والإساءة بضد ذلك فإنه ان لم يخلص إسلامه كان منافقا فلا ينهدم عنه ما عمل في الجاهلية فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره الماضي فيعاقب على جميع ذلك (قلت) وحاصله أن الخطابي حمل قوله في الاسلام على صفة خارجة عن ماهية الاسلام وحمله غيره على صفة في نفس الاسلام وهو أوجه (تنبيه) حديث ابن مسعود هذا يقابل حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الايمان معلقا عن مالك فان ظاهر هذا ان من ارتكب المعاصي بعد أن أسلم يكتب عليه ما عمله من المعاصي قبل أن يسلم وظاهر ذلك أن من عمل الحسنات بعد أن أسلم يكتب له ما عمله من الخيرات قبل أن يسلم وقد مضى القول في توجيه الثاني عند شرحه ويحتمل أن يجئ هنا بعض ما ذكر هناك كقول من قال أن معنى كتابة ما عمله من الخير في الكفر أنه كان سببا لعمله الخير في الاسلام ثم وجدت في كتاب السنة لعبد العزيز بن جعفر وهو من رؤوس الحنابلة ما يدفع دعوة الخطابي وابن بطال الاجماع الذي نقلاه وهو ما نقل عن الميموني عن أحمد أنه قال بلغني أن أبا حنيفة يقول أن من أسلم لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية ثم رد عليه بحديث ابن مسعود ففيه أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته إذا أصر عليها في الاسلام فإنه يؤاخذ بها لأنه باصراره لا يكون تاب منها وإنما تاب من الكفر فلا يسقط عنه ذنب تلك المعصية لاصراره عليها والى هذا ذهب الحليمي من الشافعية وتأول بعض الحنابلة قوله قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف على أن المراد ما سلف مما انتهوا عنه قال والاختلاف في هذه المسألة مبني على أن التوبة هي الندم على الذنب مع الاقلاع عنه والعزم على
(٢٣٥)