العذاب في هذه الآية فقيل يتعلق بالآخرة وأما في الدنيا فهو لمن قتل ابتداء وهذا قول الجمهور وعن عكرمة وقتادة والسدي يتحتم القتل ولا يتمكن الولي من أخذ الدية وفيه حديث جابر رفعه لا أعفو عمن قتل بعد أخذ الدية أخرجه أبو داود وفي سنده انقطاع قال أبو عبيد ذهب ابن عباس إلى أن هذه الآية ليست منسوخة بآية المائدة إن النفس بالنفس بل هما محكمتان وكأنه رأى أن آية المائدة مفسرة لآية البقرة وأن المراد بالنفس نفس الأحرار ذكورهم وإناثهم دون الأرقاء فان أنفسهم متساوية دون الأحرار وقال إسماعيل المراد في النفس بالنفس المكافئة للأخرى في الحدود لان الحر لو قذف عبدا لم يجلد اتفاقا والقتل قصاصا من جملة الحدود قال وبينه قوله في الآية والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له فمن هنا يخرج العبد والكافر لان العبد ليس له أن يتصدق بدمه ولا بجرحه ولان الكافر لا يسمى متصدقا ولا مكفرا عنه (قلت) محصل كلام ابن عباس يدل على أن قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أي على بني إسرائيل في التوراة ان النفس بالنفس مطلقا فخفف عن هذه الأمة بمشروعية الدية بدلا عن القتل لمن عفا من الأولياء عن القصاص وبتخصيصه بالحر في الحر فحينئذ لا حجة في آية المائدة لمن تمسك بها في قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر لان شرع من قبلنا إنما يتمسك منه بما لم يرد في شرعنا ما يخالفه وقد قيل إن شريعة عيسى لم يكن فيها قصاص وانه كان فيها الدية فقط فإن ثبت ذلك امتازت شريعة الاسلام بأنها جمعت الامرين فكانت وسطى لا إفراط ولا تفريط واستدل به على أن المخير في القود أو أخذ الدية هو الولي وهو قول الجمهور وقرره الخطابي بأن العفو في الآية يحتاج إلى بيان لان ظاهر القصاص أن لا تبعة لأحدهما على الآخر لكن معنى أن من عفي عنه من القصاص إلى الدية فعلى مستحق الدية الاتباع بالمعروف وهو المطالبة على القاتل الأداء وهو دفع الدية بإحسان وذهب مالك والثوري وأبو حنيفة إلى أن الخيار في القصاص أو الدية للقاتل قال الطحاوي والحجة لهم حديث أنس في قصة الربيع عمته فقال النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص فإنه حكم بالقصاص ولم يخير ولو كان الخيار للولي لأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز للحاكم أن يتحكم بمن ثبت له أحد شيئين بأحدهما من قبل أن يعلمه بأن الحق له في أحدهما فلما حكم بالقصاص وجب أن يحمل عليه قوله فهو بخير النظرين أي ولي المقتول مخير بشرط أن يرضى الجاني أن يغرم الدية وتعقب بأن قوله صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص انما وقع عند طلب أولياء المجني عليه في العمد القود فأعلم أن كتاب الله نزل على أن المجني عليه إذا طلب القود أجيب إليه وليس فيه ما ادعاه من تأخير البيان واحتج الطحاوي أيضا بأنهم أجمعوا على أن الولي لو قال للقاتل رضيت أن تعطيني كذا على أن لا أقتلك ان القاتل لا يجبر على ذلك ولا يؤخذ منه كرها وإن كان يجب عليه أن يحقن دم نفسه وقال المهلب وغيره يستفاد من قوله فهو بخير النظرين أن الولي إذا سئل في العفو على مال إن شاء قبل ذلك وإن شاء اقتص وعلى الوالي اتباع الأولى في ذلك وليس فيه ما يدل على اكراه القاتل على بذل الدية واستدل بالآية على أن الواجب في قتل العمد القود والدية بدل منه وقيل الواجب الخيار وهما قولان للعلماء وكذا في مذهب الشافعي أصحهما الأول واختلف في سبب نزول الآية فقيل نزلت في حيين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الشرف فكانوا يتزوجون من نسائهم بغير
(١٨٤)