النبي صلى الله عليه وسلم قوله وبعثت في خير قرون بني ادم وفي رواية بريدة عند أحمد خير هذه الأمة القرن الذين بعثت فيهم وقد ظهر ان الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل وان اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله على وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين واما قرن التابعين فان اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين واما الذين بعدهم فان اعتبر منها كان نحوا من خمسين فظهر بذلك ان مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان والله أعلم واتفقوا ان آخر من كان من اتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا واطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الامر في نقص إلى الان وظهر قوله صلى الله عليه وسلم ثم يفشو الكذب ظهورا بينا حتى يشمل الأقوال والافعال والمعتقدات والله المستعان (قوله ثم الذين يلونهم) أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم اتباع التابعين واقتضى هذا الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من اتباع التابعين لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الافراد محل بحث والى الثاني نحا الجمهور والأول قول ابن عبد البر والذي يظهر ان من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان واما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث والأصل في ذلك قوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا الآية واحتج ابن عبد البر بحديث مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم اخره وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة وأغرب النووي فعزاه في فتاويه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه في حديث أنس وصححه بن حبان من حديث عمار وأجاب عنه النووي بما حاصله ان المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم عليه السلام ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الاسلام ودحض كلمة الكفر فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني والله أعلم وقد روى بن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدركن المسيح أقواما انهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله أمة انا أولها والمسيح اخرها وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وهو شاهد لحديث مثل أمتي مثل المطر واحتج ابن عبد البر أيضا بحديث عمر رفعه أفضل الخلق ايمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني الحديث أخرجه الطيالسي وغيره لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه وروى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال قال أبو عبيدة يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك قال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني وإسناده حسن وقد صححه الحاكم واحتج أيضا بان السبب في كون القرن الأول خير
(٥)