فقال له أبو بكر بلى ثم أعاد عليه بقوله قد آن الرحيل قال المهلب بن أبي صفرة انما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة ولا يعارضه حديثه لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه لان ذلك وقع في زمن التشاح أو الثاني محمول على التسور والاختلاس والأول لم يقع فيه ذلك بل قدم أبو بكر سؤال الراعي هل أنت حالب فقال نعم كأنه سأله هل اذن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليك فقال نعم أو جرى على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك والاذن في الحلب على المار ولابن السبيل فكان كل راع مأذونا له في ذلك وقال الداودي انما شرب من ذلك على أنه ابن سبيل وله شرب ذلك إذا احتاج ولا سيما النبي صلى الله عليه وسلم وأبعد من قال انما استجازه لأنه مال حربي لان القتال لم يكن فرض بعد ولا أبيحت الغنائم وقد تقدم شئ من هذه المباحث في هذه المسألة في آخر اللقطة وفيها الكلام على إباحة ذلك للمسافر مطلقا وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم خدمة التابع الحر للمتبوع في يقظته والذب عنه عند نومه وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وأدبه معه وايثاره له على نفسه وفيه أدب الأكل والشرب واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب وفيه استصحاب آلة السفر كالإداوة والسفرة ولا يقدح ذلك في التوكل وستأتي قصة سراقة في الهجرة مستوفاة إن شاء الله تعالى وأوردها هنا مختصرة جدا وفي علامات النبوة أتم منه * (تنبيه) * أورد الإسماعيلي هذا الحديث عن أبي خليفة عن عبد الله بن رجاء شيخ البخاري فيه فزاد في آخره ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا معه حتى أتينا المدينة ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فذكر القصة مطولة وسأذكر ما فيها من الفوائد في باب الهجرة إن شاء الله تعالى (قوله تريحون بالعشي تسرحون بالغداة) هو تفسير قوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وهو تفسير أبي عبيدة في المجاز وثبت هذا في رواية الكشميهني وحده والصواب ان يثبت في حديث عائشة في قصة الهجرة فان فيه ويرعى عليها عامر بن فهيرة ويريحهما عليهما فهذا هو محل شرح هذه اللفظة بخلاف حديث البراء فلم يجر فيه لهذه اللفظة ذكر والله تعالى اعلم (قوله عن ثابت) في رواية حبان بن هلال في التفسير عن همام حدثنا ثابت (قوله عن أنس عن أبي بكر في رواية حبان المذكورة حدثنا أنس حدثني أبو بكر (قوله قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وانا في الغار) زاد في رواية حبان المذكورة فرأيت آثار المشركين وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام في الهجرة فرفعت رأسي فإذا انا بأقدام القوم (قوله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه) فيه مجئ لو الشرطية للاستقبال خلافا للأكثر واستدل من جوزه بمجئ الفعل المضارع بعدها كقوله تعالى لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار وعلى قول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم شكرا لله تعالى على صيانتهما منهم (قوله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه) في رواية موسى لو أن بعضهم طأطأ بصره وفي رواية حبان رفع قدميه ووقع مثله في حديث حبشي بن جنادة أخرجه ابن عساكر وهي مشكلة فان ظاهرها ان باب الغار استتر بأقدامهم وليس كذلك الا ان يحمل على أن المراد انه استتر بثيابهم وقد أخرجه مسلم من رواية حبان المذكورة بلفظ لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه وكذا أخرجه أحمد عن عفان عن همام ووقع في مغازي عروة بن الزبير في قصة الهجرة قال واتى المشركون على الجبل الذي فيه
(٩)