وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع فلا تخالف وجزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة وفي حديث سلمة بن الأكوع عند بن أبي شيبة ألفا وسبعمائة وحكى ابن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين وهذا إن ثبت تحرير بالغ ثم وجدته موصولا عن ابن عباس عند ابن مردويه وفيه رد علي ابن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين والله أعلم (قوله ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان) يعني قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم والتحقيق أنه يختلف ذلك باختلاف المراد من الآيات فقوله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الامن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الاسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال لم يكن في الاسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال فلما آمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الاسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثر قال ابن هشام ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر وأما قوله تعالى في هذه السورة وأثابهم فتحا قريبا فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع الناس قرأ عليهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية فقال رجل يا رسول الله أو فتح هو قال أي والذي نفسي بيده إنه لفتح ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال صلح الحديبية وغفر له ما تقدم وما تأخر وتبايعوا بيعة الرضوان وأطعموا نخيل خيبر وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله وأما قوله تعالى فجعل من دون ذلك فتحا قريبا فالمراد الحديبية وأما قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح وقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح فالمراد به فتح مكة باتفاق فبهذا يرتفع الاشكال وتجتمع الأقوال بعون الله تعالى (قوله والحديبية بئر) يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط (قوله فنزحناها) كذا للأكثر ووقع في شرح ابن التين فنزفناها بالفاء بدل الحاء المهملة قال والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شئ إلى أن لا يبقى منه شئ (قوله فلم نترك فيها قطرة) في رواية فوجدنا الناس قد نزحوها (قوله فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء) في رواية زهير ثم قال ائتوني بدلو من مائها (قوله ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد) في رواية زهير فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة (قوله ثم إنها أصدرتنا) أي رجعتنا يعني أنهم رجعوا عنها
(٣٤٠)