وقال الشهيد ابن السكيت رفع الله مقامه:
يصاب الفتى من عثرة بلسانه * وليس يصاب المرء من عثرة الرجل فعثرته في القول تذهب رأسه * وعثرته في الرجل تبرأ عن مهل.
ومن عجيب المصادفات ان المتوكل العباسي قد الزم هذا العالم التحرير، والأديب الخبير، تأديب ولديه: المؤيد والمعتز، فكانا يغترفان من عين علمه الغزيرة، فقال له المتوكل يوما: أيما أحب إليك، ابناي هذان، أم الحسن والحسين؟ فقال ابن السكيت (ره): والله ان قنبرا خادم أمير المؤمنين (ع) خير منك ومن ابنيك. فقال المتوكل للأتراك:
سلوا لسانه من قفاه. ففعلوا فمات، وكان ذلك في خامس رجب سنة 244 ه.
ونظيره ما وقع لسنمار الصانع المشهور، والمعمار المعروف الذي يضرب به المثل في بداعة الصنعة، وغرابة ما جرى عليه، فإنه بني للنعمان، قصره المعروف بالخورنق، وكان من حذاقة صنعة السنمار ان القصر يتلون في كل يوم بأربعة ألوان، فلما تم بناؤه، أنعم النعمان على السنمار بمال كثير، فصعد القصر للتفرج، وكان النعمان متعجبا من حسن الصنعة، ويطري السنمار بالمدح والثناء، فقال له السنمار: أيها الملك لو علمت أنك تقابل عملي هذا بالتقدير، وتعطف علي باعطاء هذا المال الخطير، لكنت بانيا لك قصرا أحسن من هذا. فقال النعمان: أتقدر ان تصنع أحسن من هذا؟
فقال: نعم. فغضب النعمان واحمر وجهه وقال: بعد أن أتلفت أموالي، وتركت بيت مالي خالية تقول: لو علمت حسن الصنيعة لبنيت أحسن منه!!
أيها الغلمان ألقوه من القصر، لئلا يبني لغيري قصرا أحسن من قصري.
فألقوه من القصر، فخر ميتا، فضرب به المثل في مكافاة الاحسان بالإساءة.
وقال آخر:
وكائن ترى من صامت لك معجب * زيادته أو نقصه في التكلم