الزمن إلا ومملكة الاسلام مبائة للمنكرات، ومستوى للفواحش، حتى لا تبقى من نواميس الدين عين ولا أثر.
3 - وهناك أقوام ينكرون هذه المظاهر وقد أفلتت من أيديهم المظاهر الدينية، فهم بين حائر لا يدري أين يولي وجهه وممن يأخذ معالم دينه، وبين من تتسرب إليه الشبه خلال هاتيك الظلمات الدامسة، فلا يشعر حتى يرى نفسه في هلكة الجاهلية الأولى.
4 - إذا سادت الخلاعة بين أي أمة من ملوكها وسوقتها وأمرائها وزعمائها فهي بطبع الحال تلتهي عن الشؤون الاجتماعية والإدارية ودحض الفوضى، ومقاومة القلاقل الداخلية، فهنالك يسود فيها الضعف اختلال نظامها، فتنبو عن الدفاع عن ثغورها واستقلالها، فتطمع فيها الأجانب، وتكثر عليها الهجمات، فلا يمر عليها ردح قصير من الزمن إلا وهو فريسة الضاري، وأكلة الجشع، وطعمة كل مخالف.
5 - إن نواميس الاسلام كانت بطبع الحال تبلغ إلى أمم نائية عن مملكته فيروقها جمالها البهيج، وحكمتها البالغة، وموافقتها العقل والمنطق، وأعمال رجالها المخلصين، فيكون فيهم من يتأثر بجاذبتها، أو يكون على وشك من اعتناقها، ولا أقل من الحب الممتزج لنفسياتهم، لكن بينما القوم على هذه الحالة إذا تعاقب تلك الأنباء ما يضادها من عادات هذا الدور الجديد الحالك، وأخبارها الموحشة تحت راية تلك الخلافة الجائرة، وبلغهم أن هاتيك التعاليم الوضيئة قد هجرت، والمطرد في مملكة الاسلام غيرها بشهوة من الخليفة، وانهماك من القواد. وتهالك من الزعامة، وتفان من السوقة، فسرعان ما تعود تلك السمعة مشوهة، ويعود ذلك الحب بغضا من غير تمييز بين الأصيل والدخيل من الأعمال، فتكون الحالة معثرة في سبيل سير الاسلام وتسريه إلى الأجانب.
6 - أضف إلى هذه كلها ما كان يظهر من فلتات ألسنة الأمويين، ويرى في فجوات أعمالهم من نواياهم السيئة على الدين والمسلمين، وقد علمنا من ذلك أنهم لم يقلعهم عن دينهم الوثني الأرل إلا خشية السيف، والطمع في الزعامة، فأقل شئ ينتظر منهم على ذلك عدم اهتمامهم بنشر معالم الدين إن لم يرد الأمة عن سيرها الديني