بعد تمويه متطاول، وإصفاق عليه متواصل، بعد ما تصادمت عليه نزعات وهواء، و احتدمت إحن وشحناء.
ما أسفت كأسفي على عصر الثقافة والتنقيب، عصر النور والتفاهم، هذا العصر الذي تمخضت فيه الحقايق، وظهرت البواطن، وعرفت المغازي، وتمرنت الأحلام، بتحري كل صحيح، وتحكيم الأصول الثابتة، أن يحصل فيه دجالون ويقتصون أثر أولئك الماضين الذين نمتهم العصور المظلمة، فطفقوا يعشون في حلك العمى، ويتخبطون في طخيات جهل دامسة، فيعثرون بكل ربوة، ويسفون إلى كل هوة، ولهم قلوب لا يفقهون بها، وعيون لا تبصر ضوء الحق، وأسماع لا تصيخ إلى هتافه.
وشتان بين هؤلاء وأولئك فإن قضاء الطبيعة كان يلزم من عاصرناه بالتكهرب بمقتضيات الوقت من علم وهدى، لكن الحقد المتضرم أبى للقوم إلا أن يخلد وإلى حمئة التعصب الشائن، وحسبوا أن لا رقيب ولا محاسب، ولا أن الحفظة الكرام يكتبون ما يتقولون، والله من ورائهم محيط.
أو يحسبون أن من يقعون فيه ويتهجمون عليه إحدى الأمم البائدة قد أكل عليها الدهر وشرب؟ فلم يبق من يدافع عن كيانها، أو يناضل عن معتقداتها، ويبرزها بجمالها المبهج، وجلالها المرهب، ومحياها الوضاح، وكأنهم في سنة عن العلماء والمؤلفين و البحاثة والمنقبين طيلة الحق والأعوام، ومالهم ومالهم من أقلام نزهة حرة، ونسيج من كلم الحق، موشى بسنا الحقيقة.
نعم: لم يزل القوم في غلوائهم تائهين حتى جائهم سيل (الكتاب الغدير) الأتي، وتيار علمه الجارف، فذهب ما لفقوه جفاء، فليحي مؤلفنا المجاهد الناهض (الأميني) وبياه الله، والحمد لله على إحقاق الحق، وإرحاض معرة الباطل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
محمد على الغروي الأوردبادي