وبما أن قطع بحر الحقيقة لا يكون إلا بجناحي العلم والعمل فإن من الضروري للمسلم أن يتمسك بهما معا، كما أن قطع البحر لا يمكن من دون ركوب السفينة مع ملاحظة النجوم ليهتدي بها في سيره، ولذا قال " وتعيها " أي: وتعي قصة السفينة ونجاة المؤمنين بها من الغرق " أذن واعية ": وفي الحديث: أنه لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، ومن أجل هذا كانت هذه المرتبة وهذا الشرف خاصا بأمير المؤمنين إذ لا يتصور أن يكون أهل البيت سفينة النجاة إلا بواسطة علي، وذلك لأن أهل بيته - المؤهلين للإمامة - كانوا صغارا حينذاك، وكان إحالة تربيتهم إلى غيره منافيا لشأنه وكماله، فلا جرم كان من الضروري جعل أمير المؤمنين سببا للنجاة والخلاص من الذنوب وأن يكون إماما للناس، ومصدرا لكمالات النبي صلى الله عليه وسلم العملية، كي ينقلها هو بدوره بحكم الأبوة إلى أولاده، ولكي تبقى هذه السلسلة إلى يوم القيامة، ولهذا فقد خاطب أمير المؤمنين ب " يعسوب المؤمنين ".
هذا بالإضافة إلى أن الأمير تربى في حجر النبي عليه السلام ثم صار صهره وشاركه في كل الأمور حتى كأنه ابنه صلى الله عليه وسلم، وحصلت له - بفضل ذلك - مناسبة كلية معه صلى الله عليه وسلم في قواه الروحية، فأصبح الظل والصورة لكمالاته العملية التي هي عبارة عن الولاية والطريقة، وهكذا تتضاعف - بفضل دعائه صلى الله عليه وسلم في حقه - استعداده وبلغ الكمال، كما تظهر آثاره في ظواهر الأولياء وبواطنهم في كل طريقة وسلسلة، والحمد لله ".
الرد على هذا الكلام أقول: وهذا الكلام فيه الحق والباطل ونحن نوضح ذلك في ما يلي: