لطيفة، وسلوك هذا السبيل من التورية في كلامهم (عليهم السلام) أكثر من أن يحصى.
هذا مع أنه لا ضرورة لنا إلى تأويله، لأنه من روايات ابن الجوزي الحنبلي، وهو بل أكثر أهل الخلاف لا يتحاشون عن الكذب واختلاق الأخبار. ومنهم من يعتقد جوازه للترغيب والترهيب، وهم الكرامية وبعض المتصوفة ومن يحذو حذوهم.
وحكى القرطبي في المغنم، عن بعض أهل الرأي أن ما وافق القياس الجلي، جاز أن يعزى إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
وقد نقل القاضي الشريف الشوشتري في مجالس المؤمنين في ترجمة عبيد الله بن محمد الإسماعيلي، من تواطئ أهل الهراة على الكذب ما يقضي منه العجب.
أما الشبهة الثانية، فتقريرها: أن أبا بكر صاحب النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار، ولم يصحبه أحد سواه، فيكون أفضل الصحابة، وأولى بالخلافة من غيره، وقد تقرر الشبهة بأن الله تعالى سماه صاحبا، فقال: ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن﴾ (1) فيكون أفضل الأمة.
والجواب عن التقرير الأول: أنهم رووا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يستصحبه ولا أعلمه بخروجه، ولا أذن له في متابعته.
روى محمد بن جرير الطبري - وهو من أعيان علمائهم وفحول محدثيهم، أثنى عليه النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات، وبالغ في اطرائه، وذكر في مدحه والثناء عليه، وذكر أحواله نحوا من ورقين - في تأريخه في الجزء الثالث: أن أبا بكر أتى عليا (عليه السلام) فسأله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخبره أنه لحق بالغار من ثور، وقال:
إن كان لك فيه حاجة فألحقه، فخرج أبو بكر مسرعا فلحق بنبي الله (صلى الله عليه وآله) في الطريق، فسمع جرس أبي بكر في ظلمة الليل، فظنه من المشركين، فأسرع