فأتوا النبي (صلى الله عليه وآله) وقد غدا محتضنا الحسين، وآخذا بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي يمشي خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى اني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل بها جبلا عن مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا.
قال: إذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا، فقال: فاني أناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.
وقال: والذي نفسي بيده ان الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا.
وعن عائشة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
فان قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة الا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به دون غيره وبمن يكاذبه، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟
قلت: ذلك آكد للدلالة على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حتى استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده، وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته أيضا بكذب خصمه، وهلاكه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال ان تمت المباهلة.
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل