التمسوا مني.
فقال (عليه السلام): أجل، ولكن أخبرني عن الذي يستحق الأمر بماذا يستحقه؟
فقال أبو بكر: بالصدق، والنصيحة، والوفاء، وقمع المداهنة، والمحاباة، وحسن السيرة، واظهار العدل، والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا، وقلة الرغبة فيها، وانصاف المظلوم من الظالم القريب والبعيد، ثم سكت.
فقال علي (عليه السلام): والسابقة والقرابة، فقال علي (عليه السلام): هل تجد في نفسك هذه الخصال أم في؟ قال: بل فيك يا أبا الحسن.
فلم يزل أمير المؤمنين (عليه السلام) يعد مناقبه التي جعلها الله له دون غيره، حتى قال أبو بكر: أنت أحق الناس بهذا الأمر والمقام مني. فقال سلام الله عليه: فما الذي غرك عن الله ورسوله وعن دينه؟ وأنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه؟
فبكى أبو بكر وقال: صدقت يا أبا الحسن، أنظرني هذا اليوم لأدبر ما أنا فيه، وخرج من عنده وخلا بنفسه يومه، ولم يأذن لأحد بالدخول عليه، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي (عليه السلام).
فبات أبو بكر ليلته، فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه متمثلا في مسجده، فقام إليه أبو بكر فسلم عليه، فولى وجهه عنه، فقال أبو بكر: يا رسول الله أمرت بأمر لم أفعله، فقال: أرد عليك السلام وقد عاديت من والاه الله ورسوله، رد الحق إلى أهله، قال: فقلت: من أهله؟ فقال: من عاتبك عليه بالأمس.
فأصبح أبو بكر وخرج إلى علي (عليه السلام)، فقال: أبسط يدك أبايعك وأخبرك بما رأيت في منامي البارحة، قال ابن عباس: فمد علي سلام الله عليه يده وبايعه أبو بكر، وسلم الأمر إليه، وقص علينا الرؤيا، وكتبنا من لفظه.
وقال أبو بكر: نخرج إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأخبر الناس بما جرى بيني وبين رسول الله، فخرجوا إليه، فنادى الصلاة جامعة، وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: معاشر الناس وليتكم ولست بخيركم، أقيلوني أقيلوني.