ومن أعجب العجائب اعتذار العلامة التفتازاني الحنفي من فحول عظمائهم في شرح المقاصد عن منعهم لعن يزيد لعنه الله، حيث قال: فان قيل: من علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد. قلنا:
تحاميا أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى (1) انتهى كلامه عليه ما يستحق.
وهذا يشعر بأن امتناعهم عن لعن يزيد ليس تزكية له، وتبعيدا عن أن ينتظم في سلك أهل اللعنة، بل لأنهم علموا أن ولايته من قبل أبيه، فترجع مفاسده إليه، وهو من قبل عمر وعثمان، وهما من قبل أبي بكر، فترجع المفاسد إليه في الحقيقة، فلو لعنوا يزيدا لبدعه الفضيعة، لزمهم لعن هؤلاء الطواغيت الذين هم أئمتهم، ولقد أنصف التفتازاني كل الانصاف في هذا المقام.
ومما يشهد بما ذكره ما رواه البلاذري من عظماء علمائهم في تاريخه، قال: لما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية: أما بعد فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة، وحدث في الاسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين.
فكتب إليه يزيد: أما بعد يا أحمق فانا جئنا إلى بيوت منجدة، وفرش ممهدة، ووسائد منضدة، فقاتلنا عليها، فان يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن كان لغيرنا فأبوك أول من سن هذا وابتز واستأثر بالحق على أهله.
وكذا نقله صاحب الطرائف نور الله مرقده عن البلاذري (2)، والله العالم بالحقائق.