هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي * يا من أشار إليه الخلق في الحرم إن كان عفوك لا يلقاه ذو سرف * فمن يجود على العاصين بالنعم قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما: فقال لي: يا أبا عبد الله أسمعت المنادي ذنبه المستغيث ربه؟ فقلت نعم، قد سمعته، فقال اعتبره عسى نراه، فما زلت أختبط في طخياء الظلام (1) وأتخلل بين النيام. فلما صرت بين الركن والمقام، بدا لي شخص منتصب، فتأملته فإذا هو قائم، فقلت: السلام عليك أيها العبد المقر المستقيل المستغفر المستجير أجب بالله ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله.
فأسرع في سجوده وقعوده وسلم، فلم يتكلم حتى أشار بيده بأن تقدمني فتقدمته فأتيت به أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: دونك ها هو! فنظر إليه فإذا هو شاب حسن الوجه، نقي الثياب، فقال له: من الرجل؟ فقال له: من بعض العرب فقال له: ما حالك ومم بكاؤك واستغاثتك؟ فقال: ما حال من أوخذ بالعقوق فهو في ضيق ارتهنه المصاب، وغمره الاكتئاب، فارتاب (2) فدعاؤه لا يستجاب، فقال له علي: ولم ذلك؟ فقال: لأني كنت ملتهيا في العرب باللعب والطرب، أديم العصيان في رجب وشعبان، وما أراقب الرحمن، وكان لي والد شفيق رفيق، يحذرني مصارع الحدثان، ويخوفني العقاب بالنيران ويقول: كم ضج منك النهار والظلام، والليالي والأيام، والشهور والأعوام، والملائكة الكرام، وكان إذا ألح على بالوعظ زجرته وانتهرته، ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوما إلى شئ من الورق فكانت في الخباء (3) فذهبت لاخذها وأصرفها فيما كنت عليه، فمانعني عن أخذها فأوجعته ضربا ولويت يده وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك، فلم يطق يحركها من شدة الوجع والألم فأنشأ يقول: