متى قرأ الانسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلاف، وأغرى به الجبارين، وعرض نفسه الهلاك، فمنعونا عليهم السلام من قراءة القرآن بخلاف ما يثبت بين الدفتين لما ذكرناه.
فصل: فان قال قائل: كيف تصح القول بأن الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان، وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام أنهم قرؤا " كنتم خير أئمة أخرجت للناس " " وكذلك جعلناكم أئمة وسطا " وقرؤا " يسئلونك الأنفال " وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس.
قيل له: قد مضى الجواب عن هذا، وهو أن الاخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها، فلذلك وقفنا فيها، ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما بيناه، مع أنه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلتين أحدهما ما تضمنه المصحف والثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى، فمن ذلك قوله تعالى: " وما هو على الغيب بظنين " (1) يريد بمتهم، وبالقراءة الأخرى " وما هو على الغيب بضنين " يريد به ببخيل ومثل قوله: " جنات عدن تجري من تحتها الأنهار " على قراءة، وعلى قراءة أخرى " تجري تحتها الأنهار " ونحو قوله تعالى: " إن هذان لساحران " (2) وفي قراءة أخرى " إن هذين لساحران " وما أشبه ذلك مما يكثر تعداده، ويطول الجواب باثباته، وفيما ذكرناه كفاية إنشاء الله تعالى.
أقول: روى البخاري والترمذي في صحيحيهما وذكره في جامع الأصول في حرف التاء في باب ترتيب القرآن وتأليفه وجمعه، عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر جالس عنده، فقال أبو بكر: إن عمر جاءني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في كل المواطن، فيذهب من القرآن كثير وإني أرى أن