بعد الذبح.
وهذا الجنس من الحيل هو السحر، وليست معجزات الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من هذا القبيل، بل ما يأتون بها من المعجزات فإنها تكون على ما يأتون به، والعقلاء يعلمون أكثرها باضطرار أنها كذلك، لا يشكون فيه وأنه ليس فيه وجه حيلة نحو قلب العصا حية وإحياء الميت، وكلام الجماد والحيوانات من السباع والبهائم والطيور على الاستمرار في أشياء مختلفة، والاخبار عن الغيب، والاتيان بخرق العادة، ونحو القرآن في بلاغته والصرفة فإنه يعلم كونه معجزا أكثر الناس باستدلال، ولهذا قال تعالى في قوم فرعون وما رأوه من معجزات موسى عليه السلام: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما " (1).
فان قيل: بما أنكرتم أن يكون في الأدوية ما إذا مس به ميت حيي وعاش وإذا جعل في عصا ونحوها صارت حية، وإذا سقي حيوانا تكلم، وإذا شربه الانسان صار بليغا، بحيث يتمكن من مثل بلاغة القرآن.
قلنا: ليس يخلو إما أن يكون للناس طريق إلى معرفة ذلك الدواء أو لا يكون لهم طريق إلى معرفته، فإن كان لهم إليه طريق لزم أن يكون الظفر به ممكنا، وكانوا يعارضون به ولا يكون معجزا، وإن لم يمكن الظفر به، لزم أن يكون الظفر به معجزا لأنه يعلم أنه ما ظفر به إلا بأن الله أطلعه عليه، فعلم بذلك صدقه، ثم يعلم من بعد بخبره أن ذلك ليس من قبله، نحو القرآن، بل هو منه تعالى أنزله عليه.
وكذلك هذا في الدواء الذي جوزه السايل في إحياء الموتى، لا يخلو إما أن لا يمكن الظفر به أو يمكن، فعلى الأول يلزم أن يكون الظفر به معجزا للنبي أو الوصي، لأنه يعلم أنه ما ظفر به إلا بأن أطلعه الله عليه، فيعلم بذلك صدقه، وإن أمكن الظفر به، وهو الوجه الثاني، فالواجب أن يسهل الاحياء لكل أحد، والمعلوم خلافه.